البيئة التعليمية في لواء دير علا بين مدٍ وجزر

مقابلة طلاب مدرسة مدرسة أم حماد الأساسية للبنين - لواء دير علا

مقابلة طلاب مدرسة مدرسة أم حماد الأساسية للبنين – لواء دير علا

دير علا – رزان الصالحي، ضحى أبوسماقة، عمر فطافطة

يكتشف زائر مدارس دير علا، في غور الأردن الشمالي، جهود وزارة التربية والتعليم في تحسين مستوى البيئة المدرسية بمجرد الدخول إلى مدارس اللواء. فيرى مباني وساحات تنشئها الوزارة في سعيها المستمر للحد من مشكلة المباني المستأجرة غير المجهزة ومحدودية الموارد المادية فيها.

غير أن ذلك وحده لا يبدو كافياً، فنقص الصيانة وقلة المتابعة للمرافق المدرسية وغياب الأنشطة اللامنهجية والإستغناء عن بعض الأدوات التعليمية من ملاعب ومختبرات علمية مجهزة ومكتبات محدثة هي الطاغية آينما كان، نظرًا لاعتبارات مالية خاصة بوزارة التربية والتعليم بحسب مدير تربية وتعليم لواء دير علا، محمد خريسات.

وتحاول وزارة التربية والتعليم في لواء دير علا معالجة مشاكل المدارس ضمن إمكانياتها المحدودة كما يقول خريسات، مضيفاً: “إن تدني مستوى التحصيل العلمي في هذه المدارس يعود إلى عدة أسباب منها، الوضع الاقتصادي الضعيف”، مشيراً إلى أن تدني التحصيل العلمي كل عام يكون في الفرع الأدبي بالتحديد وهذا يعود في الأساس إلى أن معظم طلبة الفرع الأدبي لم يحصلوا على درجات جيدة خلال السنوات السابقة .

جهود فردية

في لواء دير علا، ومدرسة أم حماد الأساسية للبنين، ذات المبنى الصغير نسبياً، المفتقر لساحات اللعب المؤهلة، والذي كان طلابها يقومون بتعويض ذلك، عن طريق إنشاء ملعب كرة قدم بإمكانات بسيطة، فيضعون الأحجار الكبيرة بشكل مربع، دلالة على وجود مرمى، يتوسطه حارس، لو دققت النظر فيه، لن يتبادر إلى ذهنك أنه الحارس، نظراً لعدم ارتدائه أي ملابس دياضية توحي ذلك.

مدرسة أم حماد الأساسية للبنين في لواء دير علا واحدة من المدارس التي تحتاج الى مزيد من الرعاية والتأهيل من قبل وزارة التربية والتعليم حيث تحوي المدرسة 76 طالبا 12 معلما، تتراوح أعداد الطلاب في الغرف الصفية بين 10 – 12 طالباً، تحوي على مختبر للحاسوب ولكن بإمكانيات ضعيفة وبسيطة.

وفيما اكتفت بعض المدارس بالأثاث المدرسي البسيط والأدوات البدائية مثل السبورة والطباشير، عملت مدرسة أم حمّاد الأساسية للبنات في قرية أم المنطح بلواء دير علا، بإدارة راوية أبو سرحان على إيجاد طرقاً مبتكرة لتحسين البيئة التعليمية قدرالإمكان، لتصبح في وضع أفضل لدعم العملية التعلّمية.

وبجهود فردية ومن خلال توفيرالعناصرالمادية التي تؤمنها إدارة المدرسة، اجتهدت أبو سرحان لتحويل المدرسة إلى بيئة أمنة وصحية حيث حازت مدرستها على الإعتماد الوطني للمدارس الصحية من حيث توافر وسائل الراحة فيها لتكون بيئة جاذبة للتعلم وتنمية مهارات التفكير للطلاب.

شباب وفتيات دير علا بين الزواج والزراعة

ظاهرة التسرب من مدارس لواء دير علا ازدادت بشكل كبير، ومن أبرز أسبابها شعور الأهالي بعدم استفادة أبنائهم وبناتهن من التعليم، وعدم حصولهم على الوظيفة عند تخرجهم، إضافة إلى الوضع الاقتصادي في تلك المناطق الفقيرة، حيث يعتمد معظم سكانها على الزراعة، لذا يقوم الأباء بإخراج أبنائهم وبناتهن من المدرسة لمساعدتهم في العمل والزراعة.

وتقول أبو سرحان: “أن تعليم البنات يُعد من أصعب عمليات التغييرالثقافي والإجتماعي في المجتمعات القروية، فتجد الأب والإخوة يقفون في طريق بناتهن لإكمال تعليمهن ودفعهن إما للزواج بسن مبكرة أو للعمل في الزراعة باعتبار أراضي اللواء أراضٍ زراعية”.

ولذلك ترى أبو سرحان أنه يجب مواصلة العمل في رفع الوعي بينهم ودعمها وزيادة فرص الحصول على التعليم الجيد للبنين والبنات وتأسيس برنامج مستمر من قبل وزارة التربية والتعليم للتصدي لمثل هذه الممارسات.

المواصلات والكادر التعليمي الإضافي

تحدث مدير المدرسة محمد المناصير، عن المشاكل التي تعاني منها المدرسة ولعل من أبرزها بعد المدرسة عن مركز التجمع السكاني حيث أن المعلم يحتاج إلى أكثر من نصف ساعة يومياً للوصول إليها ولا يوجد لها مواصلات إلا من خلال باص يقل المعلمين يوميا إليها، وفي حال تأخر أحد المعلمين يكون بحاجة الى أن يأتي اليها بسيارة أجرة وهذا من شأنه أن يرهق كاهل المعلمين الذين يتقاضون رواتب متدنية في الأصل.

التعليم الإضافي أيضاً واحد من الأسباب التي تؤدي إلى تدني المستوى التعليمي للطلبة خاصة، وأن المعلمين الذين يوظفون على الكادر الإضافي لا يملكون الخبرة الكافية في تدريس الطلبة وهذا ينعكس بالشكل السلبي على تحصيلهم العلمي.

يتم تعيين المعلمين الإضافيين بداية تشرين الأول من كل عام، ويقوم المعلم بتدريس ثلاثة أشهر في المدرسة ثم ينقل إلى مدرسة أخرى ليتم استبداله بمعلم جديد، الأمر الذي يؤدي إلى عدم قدرة الطالب على أن يعتاد على تدريس المعلم وأسلوبهم ما يؤثر على تحصيله العلمي.

مشكلة يرى المناصير أن حلها لا يتم إلا من خلال سياسة إستراتيجية تقوم بها وزارة التعليم العالي لإعادة تقييم المناهج الدراسة وإيجاد مدرسين متخصصين وأكفاء لتدريس الطلبة خاصة بالمرحلة الأساسية.

لواء ديرعلا يحوي 47 مدرسة للطالبات والطلاب يعمل فيها 1200 معلم ومعلمة، لا تعليم إضافي إلا في مدرسة أم حماد الأساسية للبنين/للبنات، وذلك بسبب طلب الكادر التعليمي فيها بالانتقال كون المدرسة بعيدة عن مركز السكان كما يقول خريسات.

فتيات دير علا ضحايا الجهل وثقافة العيب

تقف الأربعينية أم قصي، والزوجة الثالثة لرجل في الثمانين من عمره، فيوجه معارضة تعليم البنات الذي تفرضه العُقد الأخلاقية على فتيات أم المنطح، إحدى قرى دير علا. وبغصة وحرقة تروي لطلبة معهد الإعلام الأردني، قصة ابنتها أحلام ذات العشرة أعوام، حرمت من إكمال تعليمها بعد أنأتمت الصف الرابع في مدرسة أم حمّاد الأساسية للبناتواستبعدها إخوتها من زوجة الأب الثانية من المدرسة لتقضي بقية حياتها في الخيمة.

لم يعد يقوى الزوج على أبنائه، لكبر سنه، وتركهم يستحكمون بأحلام وأمها من خلال ورقة الطلاق بينما لا تملك الزوجة الثالثة الحيلة لتدفع جهل أولاد زوجها عنها وعن ابنتها. ومنذ ذلك الحين حرصت أم قصي على الذهاب إلى المدرسة يومياً لتتعلم وتعلم أولادها، فثابرت واجتهدت وتعلمت الكتابة والقراءة.

“أم قصي تحدّت الأميّة والجهل وتعتبر مثل أعلى لكل النساء في قرية أم المنطح بلواء دير علا فهي لم تكن تعرف القراءة والكتابة والآن مستواها أعلى من مستوى الصف الثاني خلال سنتين”، تقول راوية أبو سرحان.

تخفي أم قصي دموعها حين ترى ابنتها أحلام تنظر من داخل الخيمة إلى صديقاتها وهن في طريق العودة من المدرسة معاتبةً والدتها على عدم الوقوف إلى جانبها لإكمال تعليمها. وبصوتها الحزين تقول “عند الظهريات أسد الخيمة حتى لا تشوف أحلام صاحباتها اللي جايات من المدرسة وتصير تبكي”.

وتذاكر أم قصي مع ابنتها أحلام من الكتب المدرسية التي تملكها حتى تساعدها على التقدم في دراستها وإن كان مصيرها في النهاية للزواج. فهي بعقليتها البسيطة ترى أن ابنتها يجب أن تتعلم حتى تكون قادرة على تربية أبناءها ومساعدتهم في دراستهم.

مدارس قديمة وجديدة والحال واحدة

تتشابه حال مدرسة المعدي الثانوية للبنين، مع حالة مثيلاتها من مدارس دير علا، فالمدرسة ذات العمر القديم، والتي تأسست سنة 1950، تفتقر لأهم معايير الجودة التي تؤهل بنائها لأن يكون بيئة تعليمية مناسبة، فأبوابها تعاني تكسيراً يضطر طلاب الصف لحمل الباب لفتحه أو تسكيره، ومراوحها قديمة تتأرجح فوق رؤوس الطلاب، ومساحاتها واسعة غير مستغلة.

معلم الكيمياء في المدرسة ذاتها، زياد اليازجين، يعرب أن البيئة التعليمية في المدرسة نوعاً ما مناسبة إذا قورنت بمدارس لواء دير علا، ولكن هناك نقص في بعض الموارد، وعدم استمرارية دعم المختبرات التعليمية، أو بعض الأنشطة اللامنهجية، فتفعيل المختبرات العلمية والحاسوب غير متاح متى ما رغبت في شرح الدرس بطريقة تفاعلية، وذلك نظراً لنقص المواد أو غياب الصيانة للأجهزة، علماً أنها أنشطة إثرائية في المعرفة والتجارب وتزيد من علم الطالب أكثر من الأنشطة الجسدية.

المدرسة ذات الأبنية السبعة، لا تحتوي على مكتبة مدرسية، وساحاتها الواسعة غير مؤهلة للأنشطة المدرسية الموازية للتعليم، فعن عدم استغلالها بما يعود على المدرسة بالمنفعة، يقول اليازجين إن المدرسة قامت بالتقديم لدعم مشروع البيوت البلاستيكية للزراعة، وبالتالي استغلالها لمصلحة عامة.

تضم مدرسة المعدي 500 طالب و47 معلماً و7 إداريين، صفوفها في المرحلة الأساسية من السابع إلى الثاني الثانوي، تحتوي دورتين مياه فقط، إحداهما معطلة، والأخرى تعمل بوجود ستة مراحيض، والتي لا تتناسب مع عدد الطلاب في هذه المدرسة، بحسب المشرف التربوي لمدرسة معدي، فراس المناصير، يقول: “يوجد لدينا نقص شديد فيما يتعلق بالنظافة العامة للمدرسة.”

ويضيف اليازجين، إن الجانب الصحي في مدارس لواء دير علا في حاجة لاهتمام خاص، وذلك نظراً لطبيعة المنطقة مرتفعة الحرارة ربيعاً وصيفاً، وهو الأمر الذي يتطلب وجود بيئة صحية طبيعية، بالنسبة لعدد العاملين في النظافة وعدد الأبنية، فهو غير مناسب لأن المدرسة تحتوي على سبعة أبنية وعاملين اثنين، الأمر الذي لا يعد مناسباً لبقاء المدرسة نظيفة.

مدير التربية والتعليم للواء دير علا المهندس محمد خريسات، قال أنه بالنسبة لطبيعة المنطقة ذات الحرارة المرتفعة، فإن توفير مكيفات ومبردات لمدارس اللواء أمر مكلف على الوزارة وغير قابل للتطبيق نظراً لإمكانات الوزارة المحدودة، على الرغم من أن مديرية لواء دير علا تعتبر المديريات المحظوظة من حيث البنية التحتية، حيث أن أغلب مدارس اللواء هي مدارس ملك للوزارة وليست مستأجرة.

مدرسة المعدي لم ينجح فيها سوى أربعة طلاب في الثانوية العامة من أصل 112 طالباً في الفروع الأكاديمية، العلمي والصحي والإدارة المعلوماتية والأدبي، والذي علق على هذه النتيجة مدير التربية والتعليم للواء دير علا محمد خريسات قائلاً، إن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك هي البيئة والوضع الاقتصادي المتدني للمنطقة.

يختلف حال مدرسة أم حماد الأساسية المختلطة عن مدرسة المعدي الثانوية للبنين، فتسرب الطلبة، قضية لا تشغل بال معلميها، بحسب المناصير، الذي أضاف أن مدرستهم لا تشكو من التسرب، بقدر ما تشكو من الغياب المتكرر لبعض الطلبة، الأمر الذي تبين أنه مع المتابعة اليومية والمتكررة لهؤلاء الطلبة كثيري الغياب وأولياء أمورهم، قد أثمر في عدم تكرارهم لهذا التصرف، ولكن هذا لا يمنع من وجود الحالات التي تضطر للغياب عن المدرسة والعمل بمساعدة أهاليهم نتيجة الأحوال الاقتصادية المتدنية لعائلات الطلبة.

المدرسة المتنقلة: مبادرة متعثّرة لتعليم البدو الرحّل

مرام - إحدى طالبات المدرسة المتنقلة

مرام – إحدى طالبات المدرسة المتنقلة

الكرك – رزان الصالحي وربا زيدان

في رقعة منخفضة عن الشارع الرئيسي في منطقة شرق محي جنوب الكرك يقطن العديد من الخيم المتناثرة مائتين أو أكثر من قبائل العزازمة الذي يترحلون منذ زمن، حاملين خيامهم الرثة، ناصبين بيوت الشعر التي تأويهم، في كل من معان والطفيلة والعقبة والكرك. وتحت أشعة الشمس الحارقة، وبين الوديان، بعيداً عن مظاهر المدنية، يتقافز أطفالهم، أكبرهم لم يتجاوز الرابعة عشرة، بين أكوام النفايات، وروث المواشي القليلة التي يمتلكونها.

“انا بحب أجي عالمدرسة، والاستاذ كتير بيساعدنا في القراءة” يقول ابراهيم، أحد الأطفال القابعين في كرفان حديدي صغير، مليئ بكراسي خشبية متزاحمة، ومقاعد بالكاد تكفي العدد الموجود في هذه ” المدرسة”، أو الخيمة التعليمية كما كانت تسمى قبل أن يتم تحويلها الى كرفان قابل للتنقل. جاءت هذه المبادرة كمكرمة هاشمية قدمت من الديوان الملكي في 2013، بعد أن ظهرت كفكرة بناءة من قبل مهتمين في 1997 وكانت أول محطاتها باير، شرقي معان.

هذه المدرسة المتنقلة، والتي تخدم في الأساس 4 مناطق مجاورة، يتنقل فيها بدو بئر السبع، والذين قدموا من فلسطين في العام 1948. وتم اعتمادها كمدرسة رسمية تابعة لوزارة التربية والتعليم. لكن هذا لم يمنح خريجيها حق الحصول على شهادات دراسية معتمدة.

“أتمنى أن يحمل المستقبل ما هو أفضل لجمال، فهو ذكي ويحب المدرسة”، تقول الثلاثينية أم جمال وهي تحتضن ابنها الذي يعاني من اعاقات جسدية وعقلية منذ الولادة.

أم جمال،والتي تبدو المعاناة واضحة على ملامحها، لديها سبعة أطفال، ثلاثة منهم فقط يرتادون المدرسة المتنقلة. وهي تشكو من الأمراض المتكررة التي تصيب أبنائها في ظل عدم حصولهم على التطعيمات اللازمة وحرمانهم من الرعاية الصحية الأساسية.

جمال الصراحين، بدا سعيداً جداً حين طلب منه أن يكتب اسمه بالعربية والانجليزية على اللوح الأبيض الذي يتوسط الكرفان. ورغم الصعوبة التي يواجهها في الحركة، والنطق، الا أنه يعد من أفضل التلاميذ الذين تستقبلهم المدرسة المتنقلة وفقاً للاستاذ عمر العزازمة.

العزازمة، والذي درس صغيراً في الخيمة حين لم تكن أكثر من بيت شعر، حاصل على بكالورويس في اللغة العربية، ودبلوم عال في تكنولوجيا المعلومات من جامعة مؤتة. وهو يعمل كمعلم اضافي في هذه المدرسة منذ حوالي عام وثلاثة أشهر.

“الأوضاع هنا سيئة للغاية”،يقول الأستاذ. “لدي حوالي 40 تلميذاً من مراحل دراسية مختلفة”. العزازمة، والذي يقول أنه لا يتلقى أي دعم من وزارة التربية والتعليم، سوى راتبه الذي يصل الى 500 دينار، يشتكي صعوبة التدريس في مكان مقفر كهذا، وفي وسط الوديان، حيث يبعد أقرب مركز تصوير أو مكتبة مالايقل عن 20 دقيقة مشياُ على الأقدام. ورغم تأكيده أنه يبذل جهداً كبيراً في تعليم الأطفال جميع المواد من العربية الى الرياضيات، الا أننا لاحظنا ضعفاُ كبيراً في المهارات الأساسية لديهم. فالغالبية العظمى منهم لا يستطيعون حتى القراءة بصورة مفهومة ، رغم تأكيدهم لنا أنهم في الصفوف الخامس والسابع.

تحتضن يسرى كتاب اللغة العربية، وتقرأ أمامنا درساً عن التلوث. بمريول مدرسي ممزق، وحذاء يظهر من أصابع القدمين أكثر مما يخفي، تبتسم، حين يطلب منها الأستاذ أن تقوم بحل مسألة رياضية يكتبها على اللوح أمام الجميع. تقول أنها تحب دروس الرياضيات، وتؤكد ذلك والدتها، أم ابراهيم، التي يختفي نصف كلامها خلف اللثام.

عفاش العمامرة، صاحب مبادرة الخيمة التعليمية، ومن أوائل من عمل في تعليم أطفال البدو، يقول أنه حاول مراراُ وتكراراً مخاطبة الجهات المعنية بتنمية شؤون البادية، كما وجه العديد من الرسائل الى وزارة التربية والتعليم، لكن دون طائل. “لم يرفدنا الصندوق الهاشمي بأية معونات. ولم يصلنا أية دعم من وزارة التربية والتعليم، رغم مطالباتنا المتكررة بايجاد حل عملي لهؤلاء الأشخاص الذين يحلم أطفالهم بالجلوس على مقاعد الدراسة”.

العمامرة يشير الى أن ” الفزعة الهاشيمة” كما سماها، ممثلة بالكرفان لم تكن كافية. فهي لم تقدم حلا عمليا يخدم الأهالي. فلم يتم توفير وسيلة مواصلات تتكفل بنقل الكرفان من مكان الى آخر حيثما ارتحل اهالي المنطقة أو حلوا.

لم تتحرك المدرسة المتنقلة منذ نصبها الا مرة واحدة فقط. وكانت على نفقة الأهالي الذين قاموا بتجميع مبلغ 250 دينار واستأجروا سيارة نقل تكفلت بهذا الأمر. ويؤكد أهالي العزازمة أن جميع مخاطباتهم لوزارة التربية والتعليم باءت بالفشل حيث أنهم يتعللون بتنقلهم الدائم وبعد المناطق التي يقطنونها لعدم توفير خدمات تعليمية متكاملة. “هم بس لو يجيبوا لنا معلم تاني مثلا، بتخف المشكلة” يقول الكثيرون منهم.

وبالرجوع الى مدير الصندوق الهاشمي لتنمية البادية الأردنية الدكتور رائد السردية فقد تبين وفقاً لما قال، أن هذه الفئات من البدو الرحل لا تقع ضمن المناطق الجغرافية التي تغطيها مظلة الصندوق. وقد قال لنا مستعرضاً خريطة البادية الأردنية على شاشة حاسوبه “القطرانه هي حد البادية الأردنية . كما أن الكرك تعتبر من المناطق الريفية ولا تدخل ضمن صلاحياتنا وبما أنهم يقطنون محي الآن فهم يتبعون لوزارة التنمية الاجتماعية ولمحافظة الكرك من ناحية ولزارة التربية والتعليم من الجانب التنظيمي”.

السردية، والذي أكد أن ما نسبته 80% من المساحة الكلية للمملكة تعتبر من مناطق البادية، قال أن نسبة البدو الرحل لا تتجاوز حالياً أكثر من 2% من مجموع السكان. وأن الكثيرين منهم يرفضون الاستقرار ضمن المناطق التنموية القريبة، رغم المحاولات الكثيرة التي يبذلها الصندوق لتوطينهم .

“جغرافياً لا تدخل هذه الفئات ضمن صلاحياتنا، فهذه العشائر لا تتبع لمناطق البادية المنصوص عليها ضمن حدودنا”، كان رده النهائي على أسئلة العزازمة التي حملناها اليه. وبعد سؤالنا له عن سبب حرمان هذه العشائر من أية برامج تنموية ، رغم الجهود التي يبذلها الصندوق في العديد من المناطق القريبة، ورغم قوله أن حوالي ½ مليون من السكان تصلهم خدمات الصندوق، قال السردية، وبعد اجراء أكثر من اتصال، أن زملائه على علم تام بحالة هذه العوائل وبأن زيارات مسبقة قد تمت لتلك المناطق من قبل مسؤولين، لكن الظروف لم تساعد على اجراء دراسات دقيقة حول ظروفهم، لأسباب خارجة عن ارادة الصندوق وفق قوله.

وفي معرض تعليقه على منح بعض الجهات لهذه العائلات أجهزة حاسوب محمولة لتستخدم في العملية التعليمية أجاب السردية” من السخف أن يتم تزويدهم بأجهزة لابتوب فهناك أمور أهم”. لكنه وفي اتصال هاتفي آخر، عاد عن كلامه ليؤكد أن مسؤولين من درجة رفيعة عرضوا توظيف الخريجين الذين يتقنون استخدام الحاسوب في وظائف عامة، متجاهلاً حقيقة أساسية وهي أنهم لا يملكون حتى مولداً كهربائياً لتشغيل هذه الحواسيب.

ولذا حملنا أسئلتنا الى وزارة التربية والتعليم، ممثلة بمدير التخطيط والبحث التربوي الدكتور محمد أبو غزله. والذي بدأ حديثه بالتأكيد على أن الحق في التعليم مكفول ضمن الدستور وأن بوسع أي طفل موجود على أرض المملكة الالتحاق بالمدارس الحكومية بغض النظر عن جنسيته.

“عرف قانون التربية والتعليم المدرسة بأنها أي مرحلة تعليمية أو جزء من مرحلة تعليمية يتعلم فيها 10 طلاب فأكثر. لكن مشكلة هذه التجمعات تكمن في تنقلهم المستمر، وعدم انتظام أعداد الطلبة الذين يتوجهون لهذه المدرسة ، كما أن المعلم نفسه غير منتظم في التدريس .”

أبو غزلة، والذي أكد لنا إلمامه الكامل بقضية الخيمة التي تحولت الى كرفان، يقول أن الوزارة كانت قد زودت التلاميذ هناك بمناهج الصفوف الأساسية، كما ألحقت معلمين اثنين للعمل في تلك المنطقة. كما يشير الى أن الوزارة على أتم الاستعداد لتنسيب أي معلم يرشحونه أهالي المنطقة.

“الحل الأمثل أن يتم تعيين أستاذ من ضمن العزازمة أنفسهم، يكون دائماً معهم، وقادرا على الارتحال أينما ذهبوا، فليس من السهل أن يقبل أي كان بظروف العمل الصعبة هذه”. يجيب أبو غزله بعد أن أخبرناه بأن 17 من خريجي هذه المدرسة يعملون الآن كمعلمين في الوزارة.

كما أشار الى أنه كان قد عرض عليهم مسبقا أن ينتقلوا لمدرسة السماكية القريبة، وبأنه كان على أتمة الاستعداد أن يوفر لهم باصات للنقل لكن أهاليهم رفضوا هذا الأمر، كما رفضوا جميع السياسات البديلة التي قدمتها لهم الوزارة.

ومجيبا عن سؤالنا المتعلق باحتمالية أن يقبل بهم مدارس المملكة النظامية في حال قرروا الاستقرار والحاق أبنائهم بها قال” تعتمد الوزارة نظام فحص التعلم الذي يتيح للجميع الانخراط في المدارس النظامية، فلا يوجد أي نص يمنع الالتحاق بالمدارس الحكومية أو العسكرية التي تنتشر في البادية، بامكانهم البدء الآن”. احنا بهمنا كل طفل على أرض المملكة يتعلم”. يختم مدير التخطيط في وزارة التربية والتعليم حديثه لنا.

وقد ارتأينا بعد زيارتنا لبيوت الشعر المهترئة التي يسكنها عدد لا بأس به من عشيرة العزازمة، وبعد أن لمسنا بأنفسنا التردي الكبير في الخدمات التعليمية والصحية المقدمة للبدو الرحل منهم، وبعد أن اكتشفنا أن ما اعتقدناه لوهلة كان قصة نجاح _ الكرفان المتنقل_ لم يعدو كونه خطوة لم تفلح، أن نتوجه بالسؤال عن الأسباب الحقيقية التي تجعل عشائر بئر السبع هذه والتي تحظى بعدد غير قليل من النواب الذين يمثلونهم في البرلمان، ترزح تحت هذه الضغوط الحياتية الصعبة. فتحدثنا الى النائب السابق، خلود المراحلة، والتي تم انتخابها عن قصبة الكرك، ممثلة لعشائر العزازمة التي تنمتي اليهم.

“احنا ما احنا تابعين لحدا… هيك حظنا، من الأربعينات ونحن على هذه الحال. لا يصلنا أي حقوق” بدأت المراحلة حديثها بهذه الكلمات. فبعد أن حاولنا ان نصل الى لب المشكلة، في محاولة أكبر للفهم، أجابتنا النائب السابق بمرارة “تم تجاهل جميع مطالباتي أن يلتقي الملك مجموعة من عشائر بئر السبع ، فكيف تتوقعون أن يهتموا بمدرسة في ذلك المكان المقفر؟” والمراحلة، التي بدت مستاءة للغاية من عدم بذل أي جهة جهوداً حقيقية قالت أن الكرفان جاء كمبادرة مشتركة من قبل الديوان الملكي ووزارة التربية والتعليم. “لم نحصل على أي شيئ من صندوق البادية” تؤكد المراحلة، التي تقول أن هناك عدداً كبيراً جداً من قاطني الخيام الذين لا يلتفت اليهم أحد.

“المشاكل التي تمنعهم من دخول مدارس نظامية تكمن في عدم تمكنهم من ايجاد وظائف ولا أراضي يسكننونها ، لأنهم حتى حين يقررون نصب خيامهم في منطقة قريبة من الشارع يتم طردهم من قبل أصحاب الاراضي الاصليين لذا يضطرون الى ان ينصبوا خيامهم بعيدا عن المناطق المخدومة وبين الجبال والوديان” تعقب المراحلة.

وهي تشير الى أنها وبصفتها ممثلاً عن الشعب حاولة كثيراً أن تلقي الضوء على معاناة العائلات التي تقطن بيوت الشعر في غرب السماكية، ورغم زيارة وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة لهم واطلاعها على أوضاعهم، ووعودها بتوفير ظروف سكن أفضل وتوفير فرص عمل ، فلم يحدث شيئ من ذلك.

“يعني حتى لما أكون نائب في البرلمان وأكون ممثله عن الشعب واختيار الشعب ولا أتمكن حتى من لقاء رئيس الديوان رغم مكالماتي المستمره له ومطالباتي برؤيته دون طائل، كيف بدي أحل مشاكل الناس؟” تتسائل المراحلة .

بين جهات كثيرة ووزارات متعددة، ومنظمات تحدد صلاحيات المناطق التي تخدمها وفقا لمعايير جغرافية لا يخضع لها ساكنو الخيام من هؤلاء الذين لا جدار يأويهم ولا أرض تحتملهم، تبقى عشائر العزازمة التي لم تعترف بها أي جهة كعشيرة من البادية، ولم تشملها تغطية الصندوق، ولم يتمكن أفراداها بعد من ايجاد نقطة انطلاق، تتنقل كل عام بين قرى عدة تتوزع بين معان والطفيلة والعقبة والكرك، بحثاً عن الدفْ في الشتاء، وعن الكلأ لاطعام المواشي . ويبقى أطفالهم يبحثون عن مخرج ما، عن مقعد دراسي، عن شهادة، عن بريق أمل يعوضهم لربما عن نمط حياة أهاليهم الذي فرض عليهم، ويفتح لهم لربما، نافذة قد ينفذون منها الى الاستقرار بعد أن تعتني بهم أو على الأقل تعترف بهم جهة رسمية ما.

التنمية السياسية في الأردن .. حديث لا يترجم على أرض الواقع

تظاهرة تطالب بالإصلاح في وسط العاصمة الأردنية - عمان - بعدسة عواد الجعفري

تظاهرة تطالب بالإصلاح في وسط العاصمة الأردنية – عمان – بعدسة عواد الجعفري

عواد الجعفري، رزان الصالحي، ربا زيدان

يتسابق المسؤولون الأردنيون إلى الحديث عن أهمية التنمية السياسية والإصلاح في المحافل العربية والدولية، ويشيرون إلى أن عملية التنمية السياسية أو ما يطلقون عليها “الإصلاح السياسي” تسير على قدم وساق في ما يتعلق بالحريات العامة أو القوانين الناظمة للحياة السياسية، إلا أن الوقائع والقوانين ومشاريع القوانين التي يرصدها هذا التحقيق لا تشير إلى ذلك.

تعريف التنمية لغة: من النمو أي ارتفاع الشيء عن موضعه إلى موضع آخر، فنقول نما المال أي ازداد، ويعرّف مركز دراسات الوحدة العربية التنمية السياسية على أنها: تطوير النظم السياسية والممارسة السياسية لتصبح أكثر ديمقراطية في التعامل وأكثر احتراما لكرامة الإنسان، هذا إلى جانب تمثيل الجماهير لقيم الديمقراطية وتحقيق المساواة السياسية بين أبناء المجتمع.

بينما يعدد الباحث الأميركي في التنمية السياسية صموئيل هنتجتون، ثلاثة مؤشرات على تحقيق التنمية السياسية، هي : أولا .ترشيد السلطة: أي أن تكون ممارستها وتداولها على أساس قانون أو دستور محدد. وثانيا: تخفيف تدخل أجهزة السلطة في حريات الأفراد، سواء عبر تدخلات أمنية أو فرض قوانين لصالح السلطة.

وثالثا: زيادة نسبة المشاركة السياسية من قبل المواطنين، عبر آليات المشاركة مثل التعبير عن الآراء وتشكيل الأحزاب والمشاركة في الانتخابات.

وتشير أوراق الملك عبد الله الثاني النقاشية حول الاصلاح إلى خلاصة معالم التنمية السياسية في البلاد، وهي تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وترسيخ ثقافة الديمقراطية في المجتمع، وذلك عبر تعزيز الانخراط في الحياة السياسية للأفراد، فهو حق أساسي لكل منهم، مع وجوب حماية حرية التعبير.

كما تشير الأوراق النقاشية إلى ضرورة الانتقال إلى الحكومة البرلمانية الفاعلة، بحيث نصل إلى مرحلة يشكل ائتلاف الغالبية في مجلس النواب الحكومة، وتبرز الحاجة إلى أحزاب فاعلة وتطوير الأعراف البرلمانية من خلال تطوير النظام الداخلي في مجلس النواب.

لكن ما يجري على أرض الواقع يختلف كثيرا عما أتى في حديث المسؤولين، فقد أقرت مجلس النواب قانوني ” مكافحة الإرهاب” و ” المطبوعات والنشر” ، حيث توسع قانون “الإرهاب” في تعريف الجرائم الإرهابية بما يشمل المعارضة السياسية، حسب خبراء، وأشار التقرير السنوي لمركز حماية وحرية الصحفيين لعام 2013، إلى تراجع الحريات الصحفية في البلاد عشر درجات عن العام الذي سبقه، ما أدى إلى احتلالها المركز الـ155 عالميا، وأوضح المركز في تقرير له بعنوان “العتمة الالكترونية” أن تعديلات قانون المطبوعات والنشر ساهمت في “خنق” الحريات الإعلامية وتراجعها، فضلا عن ازدياد التدخل الحكومي في عمل الصحفيين، واستمرت محكمة أمن الدولة في محاكمة 120 من ناشطي الحراك بتهم “الإرهاب” و”تقويض النظام”، رغم إيعاز الملك للمسؤولين بعدم عرض المدنيين أمام المحاكم العسكرية وأمن الدولة. ومثلت انتخابات الجامعة الأردنية انتهاكا آخر لحق الأفراد في ممارسة النشاط السياسي، حيث تعرض عدد من الطلبة للترهيب ومنعوا من الإدلاء بأصواتهم.

انتخابات الجامعة الأردنية

عشرات الطلبة يصطفون بجانب بعضهم البعض، يشكلون جدار بشريا أمام مدخل قاعة الانتخاب في كلية الأعمال. تتعالى أصوات الطلبة. يهتفون بصوت عال.

شاهدنا هؤلاء الطلبة المحسوبين على كتلة معينة أمام عدد من القاعات الانتخابية، وهم يحاولون منع الطبة من الدخول إلى القاعة للإدلاء بصوتهم. يسألونهم لمن ستصوتون.

تحدث بعض الاحتكاكات مع طلبة من اتجاهات أخرى، وصل بعضها حد إلقاء قنابل صوت وغاز وإشهار أسلحة بيضاء، وفي بعض الأحيان حدثت مشاحنات، في ما لم يحرّك عناصر الأمن أي ساكن.

هكذا بدت مشاهد من الانتخابات في الجامعة الأردنية، التي وصفتها إدارة الجامعة بـ ” عرس ديمقراطي”، وبدا هذا واضحا في حديث إذاعة الجامعة، التي كانت تغطيتها بالقول إن الأمور تسير بشكل سلس وهادئ، وهذا ما أثار سخرية جانب من الطلبة

القوى الطالبية عبرت عن أسفها في بيان نشرته صحيفة ” العرب اليوم” عن عجز الجامعة عن وقف تصرفات بعض طلبة المحسوبين على بعض القوائم. ويقول الإسلاميون إنها مدعومة من قبل الحكومة، وتركزت الاعتداءات صوب طلبة “الاتجاه الإسلامي” الذي يعتبر الذراع الطالبي لجماعة الإخوان المسلمين.

يثير هذا المشهد في انتخابات الجامعة الأردنية سؤال مركزيا حول حقيقة التنمية السياسية في البلاد، التي تعني تطور النظام السياسي ليصبح أكثر ديمقراطية، وزيادة المشاركة الشعبية في الحياة السياسية وصنع القرار، إذ بات صعبا على طالب جامعي أن يدلي بصوته ويقرر جزءا من حياته السياسية.

وتصدرت قائمة “الإسلامي” انتخابات الجامعة، حيث حصلت على 4 مقاعد من أصل9 ، فيما حصلت قائمة “النشامى” العشائرية الموالية للحكومة على ثلاثة مقاعد، بينما حصلت كتلة “العودة” التي تمثل المخيمات الفلسطينية في الأردن على مقعدين، بحسب اللجنة العليا للانتخابات في الجامعة. تحالف كتلتي “النشامى” و”العودة” أخرج الإسلاميين من دائرة صنع القرار في اللجنة التنفيذية للمجلس.

صدمة من الواقع

ويعرب الطالب في الاتجاه الإسلامي أسامة أبو عرقوب عن خيبة أمله في الانتخابات التي جرت بعد وعود الجامعة بـ” عرس ديمقراطي”. ويقول أبو عرقوب إن إدارة الجامعة أغرتنا بالمشاركة في الانتخابات في ظل وعود بعرس ديمقراطي، ووجود ضابطة عدلية وكاميرات مراقبة، لكن الأمور انقلبت يوم الانتخابات “.

يضيف أبو عرقوب طالب السنة الرابعة في كلية الأعمال:” صدمنا بالواقع، فقد عمت أعمال البلطجة الجامعة. أغلق أنصار كتل منافسة أبواب قاعات الاقتراع، وافتعلوا شجارات معنا ومع بعضهم البعض من أجل إرهاب الطلبة ومنعهم من التصويت، كما قاموا برمي قنابل صوتية تجاه أي تجمع من الطلبة يريد التصويت، ما أدى في النهاية إلى خفض إقبال الطلبة على التصويت بصورة كبيرة”.

وتابع:” عندما تحدثا مع أمن الجامعة، قالوا لنا إنه إذا كان لديكم أصوات سنسمح لهم بالدخول، وكأن القاعدة هي عدم قدرة الطالب على الإدلاء بصوته، في حين أن الشاذ هو تصويت الطالب دون ضغوط”.

ورأى أبو عرقوب أن هذه الأحداث التي وقعت كانت ممنهجة وليست عفوية، بل من تخطيط أمني خارج الجامعة، ذلك أن التحالف كان قد انفراط بين الإسلاميين والقوى العشائرية العام الماضي، متهما إدارة الجامعة بتجاهل الإسلاميين حتى عندما تولوا أمور مجلس الطلبة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وأنها تريد أي بديل عن الإسلاميين.

وتابع:” بعدما شاهدت ما جرى في الجامعة لا اعتقد بوجود تنمية سياسية في الأردن، فإذا كان الطالب غير قادر على الوصول إلى أدنى حقوقه، فكيف ستكون هناك تنمية سياسية؟”.

الانتخابات ديموقراطية والخروقات بسيطة

ورفض ممثل كتلة “النشامى” العشائرية، أمية العلوان، الحديث عن خروقات كبيرة في الانتخابات، قائلا:” إن ما جرى في الجامعة الأردنية هو انتخابات ديمقراطية وبأعلى درجات الشفافية، وكأي انتخابات تحدث خروقات ناتجة عن بعض تجمعات والاحتكاكات، لكن دون ذلك لم يحدث شيء خطير في الجامعة”.

وقال إن الإسلاميين يعترضون بشكل أساسي على علميات الاقتراع التي جرت في الكليات الإنسانية، لكن حتى في الكليات العلمية، التي تعتبر معقلا لهم خسروا فيها 7 مقاعد من أصل عشرة مقاعد تنافس عليها مرشحوه في كلية الطلب

ورأى أن هناك أسباب دفعت الاتجاه الإسلامي إلى خسارة الانتخابات، حيث أنهم لم يأتوا ببرامج انتخابية تخدم الطلبة، كما أن عدد من قادتهم تخرج أو على وشك التخرج فانشغلوا عن الانتخابات، مضيفا أن الاتجاه الإسلامي رغم تقديمه العديد من الخدمات الطلابية، إلا أنه حصر جزءا منهم للمقربين منه.

وذكر العلوان أن الإسلاميين الذين هيمنوا على مجلس الطلبة لمدة 3 أعوام لم يكونوا ليحققوا ذلك لولا تحالفهم مع إحدى العشائر في كل مرة، متسائلا:” هل التحالف لهم حلال وعلينا حرام؟”.

وأشار إلى أن الحديث عن تدخل أمني في انتخابات الجامعة الأردنية محض هراء، فهو مجرد شماعة لتعليق فشلهم عليها، أما إذا نجحت الأحزاب فترد ذلك إلى برامجها.

واوضح أن هذه الانتخابات ستصب في اتجاه التنمية السياسية في الأردن، التي تعتمد على قطاع الشباب، خاصة قطاع الطلبة فالجامعة الأردنية هي أم الجامعات الأردنية، وخرجت العديد من القيادات السياسية والحزبية.

وأشار إلى مجلس الطلبة سيسعى إلى تشكيل مكتب سياسي، يهدف إلى تطوير البرامج السياسية بجانب العمل الخدماتي اليومية لمصلحة طلبة الجامعة الإسلامية.

إدارة الجامعة ترفض التعليق

وقد حاولنا الاتصال بعدد من مسؤولي الجامعة الأردنية للحديث عن ظروف انتخابات الجامعة، لكنهم تذرعوا بضيق الوقت وألغوا العديد من المواعيد.

يرد وزير الشؤون السياسية والبرلمانية خالد الكلالدة في لقاءنا معه على الحديث عن الانتهاكات في انتخابات الجامعة الأردنية بأنها لا تعود إلى طرف واحد بل إلى عدة أطراف، مشيرا إلى أن :”هناك ذهنيات قديمة (أو عقليات قديمة) تخاف من انخراط الشباب في العمل السياسي .مثل هذه الذهنيات موجودة وقائمة وهذه الفئة من الناس ليس لديهم عندهم مبدأ التآمر بل هذا ما يؤمنون به (هيك عقليتهم) بحكم انه الشباب صغار على السياسة علماً بأنه الشباب بعمر 18 سنة يحق لهم الانتخاب”.

ويتابع:” هناك طلبة محسوبون على المكرمات وأنا ضد الاقتراب من طلاب المكرمات فلنبتعد عنهم وبلاش يشتغلوا في السياسة، فطالب المكرمة في النهاية ممكن أن يصبح ضابط وأنا لا أريد أن يتدخل الجيش بالسياسة، فنحن لسنا في أمريكا”.

ورأى أنه من الطبيعي أن يتعرض الطالب ذو الناشط السياسي إلى مضايقات، مضيفا:” صار لي 42 سنة في الحياة الحزبية، وتبهدلت في الحزبية مش زي تبعون الفيسبوك اللي بنادوا (بدنا تعملوا ديمقراطية) مع احترامي لهم لكن ليس منهم من عمل جاداً للوصول الى الديمقراطية الحقيقية”، مشيرا إلى عدم قدرة الحكومة على إيقاف الانتخابات إذا حدث شجار بين قائمتين طلابيتين، الأمر يحتاج إلى وعي وثقافة.

وجه آخر: معتقلو الحراك

يحاكم في الأردن حاليا 120 ناشطا سياسيا في محكمة أمن الدولة بتهم تتعلق بالإرهاب وتقويض النظام، وفقا لمحامين، وقال المحامي حكمت الرواشدة إنه يتولى الدفاع عن 96 ناشطا منهم، وذلك فقط لأنهم شاركوا في نشاطات سياسية، ما يضع علامة استفهام كبرى حول حقيقة تصريحات التنمية السياسية.

ويقول الناشط في الحراك طارق جميل إنه لا يثق بأي حديث عن تنمية سياسية في الأردن، مشيرا إلى أن الحراك الذي انطلق عام 2011 واستمر لغاية الآن، لم يكن ليستمر لو كانت التعديلات الدستورية حقيقية.

ويضيف الناشط الذي اعتقل لمدة خمسة أشهر العام الماضي، أن التصريحات الحكومية التي تصدر عن المسؤولين ليست سوى لامتصاص غضب الشارع أو “الضحك على الناس”

وأفرجت محكمة أمن الدولة الأردنية عن جميل بكفالة عدلية، ومازالت محاكمته مستمر لغاية الآن بسبب تهمة” التحريض عن النظام والإرهاب”، لكن جميل يرى أن السبب الرئيس لاعتقاله كان بسبب مشاركته في الحراك المطالب بالإصلاح، مشيرا إلى أن تعرض إلى مضايقات من قبل أجهزة الأمن لمنعه من السفر، وذلك عبر إجباره على إيجاد كفالة مالية مقدارها 3500 دينار.

ويرفض جميل الحديث عن أي تراجع في الحراك، بل إن الأمر هو إعادة “ترتيب أوراق”، مؤكدا أن الحراك سيتجدد في ذكرى هبة نيسان عام 1989.

ورأى جميل أن التعديلات الدستورية لم تكن حقيقية، مؤكدا أن محاكمة المدنيين أمام محكمة أمن الدولة هو أمر غير دستوري، مشيرا إلى أن استمرار محاكمات معتقلي الحراك من أجل إبقائهم تحت هاجم القلق المستمر.

ويطالب أفراد الحراك بتعديلات دستورية “حقيقية” كما يقولون، وتشمل: استعادة موارد الدولة ومحاسبة الفاسدين، وتفعيل المحكمة الدستورية، ووجود حكومة منتخبة.

الصورة ليست سلبية ونشطاء الحراك أساءوا للوطن

الرد على ناشطي الحراك جاء من مصدرين أجرينا معهما حوارات جادة. الاول وزير الشؤون السياسية والبرلمانية خالد الكلالدة، والكاتب رومان حداد الذي يصف نفسه بـ”الموالي للنظام”.

يرفض الكلالدة وجود محاكمات لناشطي الحراك في الأردن، قائلا:” إنه لن يتم مقاضاة أي حراكي أمام محاكم أمن الدولة من الآن وصاعدا، فقد تم تعديل هذه المادة القانونية، فضلا عن إيعاز الملك بعدم عرض المدنيين على المحاكم العسكرية وأمن الدولة”.

الكاتب في صحيفة الرأي رومان حداد يرى أن الامور ليست سيئة كما يصورها البعض، فهناك تقدم على صعيد تطور الحياة السياسية، أهمها أن الخلافات بقيت على الحبر ولم تتطور إلى الدماء كما في الدول العربية الأخرى.

ويؤكد حداد الذي يصف نفسه بـ”الموالي للنظام” أنه يجب محاكمة ناشطي الحراك، ذلك أن ما قاموا به ليس من باب السياسة والمعارضة، بل كانت أعمالا أساءت إلى الملك والوطن، داعيا في الوقت ذاته إلى عدم محاكمتهم امام محاكم مدنية. 

وقال:” إن الهاشميين لم يصطدموا مع أبناء شعبهم، فثمة جينات هاشمية بعدم التصادم مع العشب مهما كانت الخلافات. وما يدور الأردن خلافات على الحبر وليس في الدم كما في الجوار”، مدللا على ذلك:” فحجم الانتقادات التي طالت الملك وعائلته في السنوات الثلاثة كانت تؤدي إلى مذابح في دول أخرى، لكنه ملك متسامح”، مؤكدا أن الحكم الأفضل للأردن هو الحكم الهاشميين، فهم تقدميون وإنسانيون

وأرى حداد أن تطور الحياة السياسة شمل إصلاحات دستورية، وإصرار الملك على إجراء انتخابات برلمانية وبلدية في عام واحد، ومناقشة مشاريع الخصخصة، ضمن لجنة النزاهة، وهذا الموقف تقدم فيه الملك كثيرا على المعارضة، التي لم تقرأ التقرير، وتأخذه إلى النائب العام للتحقيق فيه، وقال إن بعض التعديلات الدستورية بحاجة إلى آليات واضحة، مثل تزويد المحكمة الدستورية بأدوات المحكمة الحقيقية، لأن تركيبتها أقرب إلى السياسية.

وحول أداء مجلس النواب، قال حداد:” إن قراءة موضوعية لمجلس النواب السابع عشر يشير إلى أنه أكثر تقدما في مسألة مناقشة قضايا حساسة لم تكن تناقش في السابق، وطرح الثقة في الحكومة للأول مرة، وجعل الشارع الأردني يترقب أسبوعا كاملا في مداولات طرح الثقة في حكومة النسور.

وهاجم حداد المعارضة الاردنية، متهما إياها بأنها ” لا تؤمن بالإصلاح المتدرج من داخل النظام، لأنها تعتقد أنها عاجزة، وبالتالي تلجأ إلى الشعارات الكبيرة، مشيرا إلى أن المعارضة لم تقدم تصور جريء، لكن مقبول ومنطقي لحل الإشكاليات، فالجميع يتحدث عن مكافحة الفساد، لكن المعارضة تطالب بإدانة أشخاص بعينهم، حتى قبل أن يعرضوا على محكمة”.

وتابع:” في مناسبات كثيرة كان الحكم أكثر تقدما من المعارضة في مسألة النزاهة ومشاركة المرأة وتقبل الرأي الآخر، كما ان المعارضة تتبع طرق متخلفة وبالية في طرح الأفكار”.

واعتبر أن قانون المطبوعات والنشر ليس مقيدا للحريات، ليس مقيدا للحريات كما تقول المنظمات الحقوقية، بل إنه يطبق العهد الدولي لحقوق الإنسان، فالحرية يجب أن تكون مسؤولة، فالمواقع الالكترونية إن نشرت تعليقا لمتصفح بعدما شاهداها المحرر بالتالي يتحمل مسؤوليتها، ولدينا صحفيين يجب أن يتولوا رئاسة تحرير هذه المواقع.

إنجازات في القوانين

ويؤكد الكلالدة أن رأس الدولة يريد الإصلاح والبعض يثني على جهود الوزارة والبعض الآخر يعترض عليها وهذا مجتمع مختلف ومن طبقات متعددة، مشيرا إلى التعديلات الدستورية، التي تمنع الملك من حل مجلس النواب إلا بسبب، ومنع حله مرة ثانية لنفس السبب، إضافة إلى منع إصدار أي قوانين مؤقتة.

ورأى أن تعديل القوانين ولا سيما قانون الانتخاب يقع على عاتق مجلس النواب، الذي تنتهي ولايته عام 2017، وعندها فقط يمكن تعديل قانون الانتخاب، وهذا هو السبب لتأجيل هذا التعديل القانوني.

الحموري: التعديلات الدستورية شكلية و حديث التنمية السياسية عبثي

الفقيه الدستوري المستقل الدكتور محمد الحموري يجزم أن التعديلات الدستورية شكلية، موضحا لنا في مقابلة أجريناها معه في مكتبه:” أن ما جرى تعديله هو 78 فقرة في الدستور بين تعديل وإضافة، ونسبة عالية من التعديلات تشكل في صياغتها ومضمونها شذوذا في الفكر الدستوري، وبعض التعديلات هي تحصيل حاصل، فلم تضف جديدا، فعندما يتحدث الدستور عن الأخلاق فما قيمة هذه النصوص؟”. 

ويضيف الحموري أن المادة 98 من الدستور لم تعدل، وتنص على أن الحكومة تعين أعضاء السلطة التشريعية في مجلس الأعيان، وهذا يمثل الثلث من السلطة التشريعية، ويستحيل إصدار أي قانون في الدولة دون موافقة هؤلاء المعينين بواسطة العقل الأمني، فعندما يتم تعيينك بإرادتي هل تستطيع أن تخالفني؟”.

وأشار إلى ان التعديلات الدستورية لم تعالج الأسباب الحقيقية التي يشكو منها الناس، وذلك بسبب فقدان استقلالية السلطتين التشريعية والقضائية.

وأوضح أن :”قانون الصوت الواحد الذي أقر في غياب مجلس النواب عام 1993، أدى إلى “نتائج كارثية في المجتمع، فقد فكك لحمة المجتمع، وأصبحت هناك جزر مجتمعية تتناحر فيما بينها على الصوت الواحد، حتى أن العشيرة الواحدة تمزقت وأصبحت تجمعات متناحرة، سواء بالنسبة للترشيح وجذب الأصوات”.

وأشار إلى ان الحديث عن تنمية سياسية في الأردن كلام عبثي، فالصلاحيات هي لمجلس الوزراء، ونقول إنه إرادة ملكية تقديرا للملك، لكنها إجراءات إدارية قابلة للطعن والإلغاء، لأن الإعلام الأمني طاغ”.

وتابع: المحكمة الدستورية ولدت ميتة، والسبب أن الذي يعين قضاتها هو الحكومة. القضاء الدستوري تمارسه المحاكم العادية، التي تنظر في القوانين وتحكم ببطلانه أو لا، أو محاكم دول التدرج الهرمي حسب التراتبية مثل والاستئناف و التمييز.

وأشار إلى أنه رفض فكرة إنشاء المحكمة الدستورية، ذلك أن:” هناك 900 قاض أردني مختص كل واحد يستطيع الحكم بعدم الدستورية، وحصرها في 9 يسهل الضغط عليهم”.

وأضاف أن :” التنمية السياسية تعني وجود نصوص دستورية متوازنة تحقق استقلال فعلي وحقيقي، لكل واحدة من السلطات الثلاث، وتمنع تغول الحكومة وأجهزتها الخفية للسيطرة على ما عداها، ويصاحب هذه النصوص المتوازنة قانون انتخاب يأخذ بيد الاحزاب للنمو وقانون أحزاب يأخذ بنص الدستور وروحه”.

وحول قانونية بقاء محكمة أمن الدولة، أوضح الفقيه الدستوري:” هذه المحكمة تعتبر غير قانونية إذ لا يعترف العالم بأحكامها، لكنها استمرت بسبب استقواء الحكومات وأجهزتها الخفية على ما عداها، فمحكمة أمن الدولة يعين قضاتها قائد الجيش ووزير الدفاع، ورئيس محكمة أمن الدولة هو النائب العام الذي يكتب ويوجه الاتهام وهو بنفس الوقت يعين القضاة.

وأشار إلى أن التعديلات الأخيرة، أبقت على عدد من الجرائم لتفصل فيها محكمة أمن الدولة، ومن هذه الجرائم “ما يستعصي على التحديد وضبط المدلول وتركتها لمحكمة أمن الدولة، رغم أن أحكام هذه المحكمة غير معترف فيها العالم”.

وختم الحموري حديثه :” كنت اعتقد أن موجة الربيع العربي التي اجتاحت الأردن في أوائل عام 2011، كانت بمثابة قرع الجرس للتنبيه على غياب حقيقي للحقوق والحريات وأن هناك انفراد في السلطة وأن هناك الكثير من المنتفعين، الذين ادخلوا الدولة على الأبواب الواسعة للفساد. وكان من المفروض أن نأخذ العبرة مما حدث في الربيع الأوروبي في القرن التاسع عشر، ونكون في الأردن رائدين بإصلاحات حقيقية وليست شكلية”.

محكمة أمن الدولة من أجل الناشطين السياسيين

لمزيد من الايضاحات توجه فريق التحقيق إلى رئيس الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان سليمان صويص، الذي قال لنا في لقاءنا به، إن الحديث عن التنمية السياسية ليس جديدا، بل يعود إلى العام 2003، لكن على الأرض الواقع لم يتحقق سوى القليل.

وحول محاكمة الناشطين في الحراك السياسي المطالب بالتغيير، قال صويص إن محكمة أمن الدولة وجدت من أجل ملاحقة الناشطين السياسيين، ورأى أن إصرار السلطة على هذه المحكمة غير مبرر، فيمكن محاكمة الناشطين السياسيين في محاكم مدنية، وبالتالي سيحظون بالبراءة.

وأكد أنه اجتمع وممثلين عن الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان مع لجنة الحريات في مجلس الأعيان ورئيس المجلس عبد الرؤوف الروابدة، مشيرا إلى عدم التجاوب مع مطالب اللجنة المتعلقة بإلغاء محكمة أمن الدولة وقانون منع الجرائم.

وأشار إلى أن تجاوب السلطة مع مطالب الحراك كانت محدودة للغاية، ذلك آن التجاوب مع مطالب التغيير كان يعني تغيير جوهري في مسألة تقاسم كعكة السلطة.

ورغم الحديث عن التعديلات الدستورية، التي تشير إلى نية السلطة تنفيذ الإصلاح السياسي، خصوصا فيما يتعلق بتعزيز التعددية السياسية وتحقيق التقدم الديمقراطي وصون حقوق المواطن، إلا أن الحقوقيين والمنظمات الدولية، وحتى القوانين ذاتها لا تشير إلى هذه النية، فقد تم إقرار قوانين تضيّق الخناق على الحريات وتتراجع عن وعود الإصلاح.

وقد أقر مجلس النواب في العامين الأخيرين تعديلات على قانون المطبوعات والنشر، وتعديلات على صلاحيات محكمة أمن الدولة، فيما يسعى البرلمان حاليا إلى إقرار تعديلات على قانون منع الإرهاب، فضلا عن الاستمرار بعمل قانوني الانتخاب والأحزاب السابقين.

ويرى حقوقيون أن المشكلة في هذه القوانين أنها فضفاضة، بحيث يتم تفسيرها لمصلحة السلطة، ولا تشكل داعما حقيقيا لعملية الإصلاح.

منظمة “هيون ريتس ووتش” الأميركية أصدرت تقريرا لها بداية هذا العام عن حالة الإصلاحات السياسية في الأردن. يقول التقرير إن المسؤولين الأردنيين يلاحقون أشخاصا بتهم فضفاضة الصياغة مثل تقويض النظام السياسي وتعكير العلاقات مع دولة أجنبية لخنق حريات التعبير، مشيرا إلى أن السلطة التشريعية في الأردن أخفقت في توفيق قانون العقوبات لعام 1960 مع الضمانات الدستورية لحرية التعبير.

وتابع التقرير:” من المخجل الزج بأشخاص في السجن لمجرد ترديد هتاف في مظاهرة أو التعبير عن رأي في أحد القادة”، فالضمانات الدستورية تصبح حبراً على ورق إذا لم تتخلص السلطات من المواد المقوضة لها في قانون العقوبات”.

وأضاف أن تعريف قانون العقوبات الفضفاض للإرهاب تشتمل على جرائم مبهمة الصياغة من قبيل تقويض نظام الحكم، فهناك عشرات الأشخاص يحاكمون في محكمة أمن الدولة بتهمة الارهاب، رغم أنهم كانوا يشاركون في انشطة سياسية.

وأرى أنه هناك تعديلات دستورية مثل تجريم التعذيب، و إنشاء المحكمة الدستورية، لكن هذه التعديلات لم تلحق بإجراءات مثل تعويض الشخص الذي تعرض للتعذيب، كما أنه تم تفريغ المحكمة الدستورية من مضمونها”.

الحلول

ويرى المعارضون والموالون على حد سواء أن هناك حاجة إلى تطوير أدوات التنمية السياسية في الأردن، وذلك عبر معالجة شجاعة للإشكاليات التي تعاني منها الحياة السياسية.

يقول سليمان صويص إن الحل لتحقيق التنمية السياسية في البلاد يتمثل في تغيير النظرة إلى الأحزاب التي هي شريك في بناء الوطن، فهي ليست متآمرة، وتغيير النظرة الأمنية في القوانين الناظمة للحريات والتجمعات العامة، وعندما توضع قوانين مشذبة لحماية الحريات بدلا من التضييق عليها، إضافة إلى الجانب الملقى على المواطنين في احترام المواطنة، وليس الولاء وفقا للعشائرية أو الجهوية.

فيما يرى رمان حداد أن ما حصل من إصلاحات هو إصلاح نصي في القوانين،” لكننا نحتاج إلى إصلاح حقيقي في المجتمع، حيث هناك حالة من العطالة في المجتمع، فهذا المجتمع يعاني انفصاما في الشخصية، وهذا يحتاج إلى جهد كبير في تقبل الآخر، والبدء بتطوير مناهج التعليم والممارسة السياسية في الجامعات”.

وأضاف أن الدولة يجب أن تتعامل مع الأسئلة الإشكالية بجراءة وصراحة، وعدم الهروب من الواقع، خاصة مع انعكاسات أي حل للقضية الفلسطينية على الأردن، وهذا يتطلب الحديث بصراحة عن معركة الكرامة وأيلول الأسود عام 1970.

أما الفقيه الدستوري الدكتور محمد الحموري فيعتقد أن إحداث تنمية سياسية حقيقية يتطلب وجود إرادة سياسية قانعة الإصلاح الحقيقي، ولا تخشى السير في طريقه، والاعتراف بأي خلل يحدث في تطبيق الإصلاحات، والمسارعة إلى تصويب الأمور، بما يعزز المشاركة السياسية، وهذا يتطلب تعديل قانون الصوت الواحد ومنح السلطتين التشريعية والقضائية الاستقلال التام.

مسرح الفكر الجديد – مجلة مسارات

مسرح الفكر الجديد - مجلة مسارات

مسرح الفكر الجديد – مجلة مسارات

رزان الصالحي

تحوّل قصر الثقافة في مدينة الحسين للشباب إلى مصنعٍ لإنتاج الأفكار، بفضل الطاقة التي يبثها «مسرح الفكر الجديد» سنوياّ في أرواح الحضور. وتحت شعار «أنا فكرتك … ما تخليني ملف عالرف» أطل «مسرح الفكر الجديد» هذا العام في عرضه التاسع لتقديم قصص نجاح حقيقية ملهمة للشباب العربي.

يزخر «مسرح الفكر الجديد» الذي ينظم مرة أو مرتين سنويا بالأفكار الجديدة والخارجة عن المألوف. ويصل عدد الحضور ما بين 1000 – 1500 شخص يأتي بعضهم من المحافظات لحضور العروض المحفزة للأفكار الدفينة.

يقدم أيضاً «مسرح الفكر الجديد» مهرجاناً صيفياً أشبه بالمطابخ العالمية يضم فيه جميع المواهب والأفكار التي عرضت مسرحياً إلى جمهوره العريض ليعزز فكرة تنفيذ الأفكار. وتحمل المهرجانات نكهة مختلفة بعناوين فاتحة للشهية مثل “شوربة” و “مطبخ الأفكار” تدفع أصحاب الأفكار لتطبيقها.

ومؤخراً تم اطلاق نموذجٍ مصغرٍ عن «مسرح الفكر الجديد» في 14 جامعة في مختلف انحاء المملكة ليصل إلى طلبة الجامعات بشكل مباشر من خلال مبادرة «ستوديو الفكر الجديد».

تنوعت المشاركات في العرض الأخير ما بين اجتماعية وفنية وتكنولوجية ورياضية وطبية لتغطي مجالات واسعة من الأفكار التي بالإمكان تطبيقها. وفي حديث مؤثر يغلب عليه طابع الارتجال، قدّم المتحدثون تجاربهم المختلفة لحث الشباب ودفعهم لتطبيق أفكارهم وعدم التخلي عنها. وبعيداً عن التكرار تم تحديث عرض «مسرح الفكر الجديد» هذا العام بشكل فني وبصري، وشارك فيه 13 متحدثا من خلفيات متعددة.

اعتلى العداء الدولي الأردني، سهيل النشاش، المنصة ليتحدث عن تجربته كعدّاء بعد أن فقد بصره في سن السادسة عشر بسبب خطاً طبي. وبرغم كل المعيقات واصراره المتواصل على النجاح استطاع أن يكون أول عداء عربي كفيف يركض في مارثوان المسافات الطويلة مسافة 42 كم. ويطمح النشاش للمشاركة في الأولمبياد لتمثيل بلده.

“تعبر فنون الرقص عمّا يدور في داخلي حين لا تعبر الكلمات، ويضيف هذا النوع من الفنون إلى هويتنا الثقافية” تقول رانيا قمحاوي التي كانت تحلم باحتراف رقص الباليه. حيث شجعتها معلمتها في المدرسة وساعدتها في إقناع والدها لارسالها إلى مدرسة متخصصة بالفنون لتنمية موهبتها. وبعمر 11 سنة تغرّبت رانيا عن عائلتها لتحقيق حلمها وتخرّجت من الأكاديمية الملكية البريطانية للرقص بتفوق وكانت الثانية على دفعتها.

ويلفت مشاهد العرض، الحضور الطاغي للمخرجة الأردنية غادة سابا التي فضّلت أن تقدم تجربتها “كقصة فشل ناجحة أو قصة نجاح فاشلة” بطريقة تمثيلية مختلفة. فهي ترى أن النجاح قد يكون شخصي أو اجتماعي. ومن وجهة نظرها تعتبر نفسها ناجحة اجتماعيا لكنها مازالت إلى الآن تبحث عن منتج يحقق لها حلمها بإنتاج فيلم سينيمائي طويل ينقلها إلى العالمية.

وعلى الرغم من أن منصب «أمين عمّان» يتم بالتعيين إلا أن المتحدث نبيل أبو عطا سيترشح للمنصب بحلول عام 2016 عن طريق حملة «101 :مئة وواحد من أجل عمّان». “حملة تشويش فكري لتشجيع المواطنين للمشاركة في انتخاب العمدة” كما يقول أبو عطا، على أن يكون لهم دور أساسي في تغيير المدينة وحل مشكلاتها وتحقيق العدالة الاجتماعية والمعيشة النوعية، ليكون الجميع أمناء فعليا على عمان. ويضيف “بعد التفكير جديا وجدت أن القضية التي تشغل بالي اليوم اكثر من اي وقت مضى من دون الانتقاص من حجم التحديات الاخرى هي موقع الامين في أمانة عمان الكبرى”.

وشاركت عايدة مراد التي تعمل في مجال التنمية الاقتصادية، قصة شفائها مع الجمهور ومواجهتها العنيدة وتحديها لمرض الروماتيزم الذي منعها من ممارسة أبسط الأمور الحياتية اليومية، فكانت الارادة التي تغلبت على المرض وقهرته، مما استحق مشاركة رحلة كفاحها واعتمادها على الطب البديل لتعود إلى حياتها الطبيعية.

تخلل العرض حوار جدلي بين «مؤسس مسرح الفكر الجديد»، ماهر قدورة، ومدير عام قناة رؤيا الفضائية، فارس الصايغ، طرح قدورة من خلاله العديد من الأسئلة، عمّا اذا كانت “قناة رؤيا موجهة إلى جمهور غرب عمان فقط؟” واذا كانت فعلاً تدعم المواهب الشابة.

يذكر أن مسرح الفكر الجديد هو احدى مبادرات مؤسسة الجود للرعاية العلمية، وأطلق في العام 2009، كمشروع يهدف أن يكون مصدر ابلاغ وإلهام للمجتمع من خلال مواضيع منتقاة بعناية يتم عرضها بقالب مسرحي هادف.

أنت المتهم – مقابلة مع فارس الصايغ مدير عام قناة رؤيا – مجلة مسارات

غلاف مجلة مسارات - فارس الصايغ

غلاف مجلة مسارات – فارس الصايغ

عمان – رزان االصالحي

وجّه الكثيرون انتقادات متعددة لقناة رؤيا الفضائية، الخاصة، تنوعت ما بين سياسية ودينية واجتماعية وإخبارية وترفيهية ومنهجية. غير أنّ مدير القناة فارس الصايغ استنكر هذه الانتقادات، وأشار في حديثه مع مجلة مسارات إلى ما ينفيها، حيث حققت قفزة نوعية في الإعلام الأردني.

قناة رؤيا التي انطلقت عام 2011، استطاعت تحقيق إنجازات عديدة في الساحة الأردنية، إذ كسرت تابوهات إعلامية وحققت نسبة مشاهدة عالية رغم عدم وجود أرقام رسمية بهذا الاختصاص، لكن من خلال متابعتنا لموقع(http://www.socialbakers.com/) والذي يوفر إحصائيات تتعلق بتواجد وسائل الإعلام على شبكات التواصل الاجتماعي، وجدنا أنّ القناة حصدت إلى الآن ما يزيد عن 42 مليون مشاهد على حسابها على اليوتيوب، وجمعت نحو 135 ألف مشارك على الحساب نفسه، إضافةً إلى ما يزيد عن 700 ألف مشارك على حساب الفيسبوك.

أحدث الاتهامات التي وجّهت إلى القناة كانت حول برنامج “نجم الأردن”، حيث اعتبره البعض سقطة إعلامية. وفي ردّ للصايغ على تلك الاتهامات قال: “هذه الأحكام سابقة لأوانها، انهالت علينا مع انتهاء الحلقة الأولى، وما زلنا لم نقدم شيئا بعد”. وبيّن أنّ توقعات المشاهد الأردني تكون مرتفعة ﻧﺗﻳﺟﺔ ﻹﺟراء ﻋﻣﻠﻳﺎت اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻳن البرامج المحلية والبرامج العالمية التي تبثّ على القنوات الفضائية العربية مثل برامج (Arab Idol آراب أيدول، و The Voice أحلى صوت). غير أنّ الصايغ لم ينكر وجود مشاكل تقنية تتعلق بالبرنامج موضحاً: “نحن على علم بمشاكل الإنتاج المتعلقة بجودة البرنامج، فلا يخلو من مشاكل تقنية، إذ تم إنتاجه بميزانية محدودة وبإمكانيات متواضعة، فهذا النوع من البرامج قد يكلف إنتاجه ما يصل قيمته إلى 10 ملايين دولار. وتوقعنا حجم كبير من الانتقادات حول الجودة التقنية، لكن معظم ما ورد إلينا عبر مواقع التواصل الاجتماعي كانت يتعلق بالمحتوى”.

يرفض الصايغ الربط بين أهمية دراسة الإعلام والعمل فيه، حيث بيّن أنّه مجال مفتوح للجميع، ولا يرى فرقاً بين من يدخل الإعلام من خلفية إعلامية أو من خلفية مختلفة، لكن هذا لا ينفي أنّ القائمين على القناة من إداريين ومستشارين إعلاميين على تواصل دائم مع المواطن الأردني لدراسة رغباته وتقديم المحتوى الأفضل. ويضيف الصايغ: “من الصعوبات التي نواجهها إلى الآن عدم وجود خبرات كافية للتعامل مع جودة الصورة على التلفاز وتوجُّه الكفاءات للعمل بالخارج، ولذلك هناك ضعف بالإخراج والإنتاج التلفزيوني المحلي”. أما فيما يتعلق بالدراما الأردنية من حيث المحتوى والصورة، فيقول: “الدراما الأردنية تحتاج إلى وقت طويل لتعود على الساحة العربية”.

ومن الانتقادات السابقة التي وجِّهت إلى قناة رؤيا عن انخفاض سقف الحرية، يدافع الصايغ: “لم يتراجع سقف الحرية في رؤيا، وهذا باعتباري شيء وهمي”، وأضاف أنّ قناة رؤيا دخلت بقوة على الإعلام الأردني فيما يتعلق بالقضايا السياسية والتي ما زالت بنفس المستوى، لكن المشاهد اعتاد على نمط البرامج التي تعرض على القناة، ولذلك بدأ يشعر أنّ المحتوى الإخباري والسياسي تراجع. ويقول الصايغ: “المشاهد الأردني والمراقبين للقناة يربطون سقف الحرية بالأمور السياسية، وهذا الشيء خاطئ لأننا في رؤيا تخطّينا الكثير من الحواجز الاجتماعية وتناولنا مؤخراً قضايا حساسة مثل فلسطيني – أردني، إضافة إلى العديد من قضايا المرأة”.

ورداً عن سؤالنا على الاتهامات التي تدور حول بث الخطاب المسيحي، استنكر الصايغ هذه الاتهامات وأجاب: “نحن في رؤيا نتوازن في بث الخطاب الديني”. وأشار إلى أنّ خطاب القناة متنوع ومتعدد. وتبث قناة رؤيا برنامجي ومضة، وأفعال ومواقف تحيي في نفوسنا ذكر الله، وروحانيات والذي يعنى بتعزيز المفاهيم والقيم الإسلامية، إضافة إلى برنامج صلاة الجمعة.

وقال الصايغ إنّ ما وصلت إليه قناة رؤيا ليس محض صدفة إنما نتيجة دراسات مستمرة لتحقيق الغرض المهم وهو تطوير المحتوى الأردني بصورة حديثة وخلق مساحة إعلامية واسعة لإحلالها في السوق الأردني وللوقوف بوجه ثقافة العيب والممنوع، فالإعلام يعدّ منبراً للتواصل الإنساني الاجتماعي.

مقابلة مع فارس الصايغ- مدير عام قناة رؤيا - مجلة مسارات

مقابلة مع فارس الصايغ- مدير عام قناة رؤيا – مجلة مسارات

التدريب المهني والتقني وحلول أزمة البطالة

في الوقت الذي تعاني فيه الأردن من أزمة في الاستراتيجية الوطنية الشاملة لتطوير الاقتصاد والسعي نحو حل مشكلة البطالة وهي واحدة من أبرز القضايا المؤرقة في الشارع الأردني حيث تجاوزت ال11% خلال العام 2013 لا سيما 56% منهم من حملة شهادة الثانوية العامة فأعلى.

يتحدث العديد من الاقتصاديين عن حلول بإمكانها انقاذ الأردن من ازدياد معدلات البطالة وبالتالي توفير تسهيل الوصول لاستراتيجية اقتصادية وطنية، ومن بين هذه الحلول التوجيه نحو التعليم والتدريب المهني والتقني في وقت تضخ فيه الجامعات سنويا جيشا من العاطلين عن العمل الى الأسواق وحرف الأجيال عن التوجهات المهنية التي يحتاجها أي اقتصاد قوي في العالم.

ويستقطب التعليم المهني والتقني شريحة قليلة من الشباب الأردني على الرغم من وجود أكثر 40 مركز تدريب مهني متحخصص في معظم أنحاء المملكة، وهذا يعود لعدة عوامل من أبرزها الثقافة المجتمعية السائدة التي تدفع بالشباب الى التوجه الأكاديمي.

ويقول النائب في مجلس النواب الأردني علي السنيد “ان خطة وطنية باتت ملحة لتعمل على ضبط كافة المهن والخدمات العامة التي يحتاجها سوق العمل الاردني، والعمل على تأهيل الشباب لها، واحلالها بدل العمالة الوافدة “، ويضيف النائب “أن الابقاء على هذه الحال غير السوية يعد بمثابة سياسة كارثية تضع وطننا على شفير الازمة، فلا يعقل ان يستمر مسلسل تكبير جيش العاطلين عن العمل ، مع هذا الكم الهائل من الخريجين الجامعيين سنويا في تخصصات يتطلب للحصول على وظيفة في احداها البقاء لعشر سنوات على طابور الانتظار في ديوان الخدمة المدنية”.

وفي هذه الخريطة سنحاول توضيح الفجوة بين العرض والطلب على في سوق العمل الأردني بالنسبة لخريجي الثانوية العامة خلال العام الماضي والعام الحالي بالاضافة الى العام القادم وهي دراسة أجراها المجلس الأعلى للسكان، وهذه الأرقام ترصد خريجي التوجيهي الذين لا يلتحقون بالتعليم المهني، ونلاحظ بشكل عام ان العرض أكبر بكثير من الطلب وفي هذا مؤشر واضح على ضرورة الالتزام بخطة وطنية شاملة لاستقطاب الشباب في مجال التعليم المهني

فتاوى بالمجان

رزان الصالحي
لم يجد القاضي في محكمة استئناف عمّان الشرعية مخرجاً لمنع التفريق بين زوجين، غير أن يرفض شهادة سيدة – لعدم ارتدائها الحجاب – متذرعاً بالقانون الجديد للقضاء الشرعي، الذي فتح الباب أمام القضاة الشرعيين للاجتهاد بناء على المذاهب الاربعة.

هذه المرة، ومن باب حسن النيّة، اجتهد قاضي الاستئناف في حكمه عندما وجد أن قرار المحكمة الابتدائية يؤدي إلى التفريق بين الزوجين. وهذا مؤشر خطير على سيادة الفوضى في القانون وقيد جديد على الحريات الشخصية للمرأة. حيث أن عدم ارتداء الحجاب لا ينقض الشهادة في الاصل، بحسب مرجع في القضاء الشرعي.

الم ينظر القاضي إلى أن وصول الدعوى بطلب الطلاق إلى محكمة الاستئناف الشرعية إنما هو دليل على أن الحياة الزوجية أصبحت أصعب وأن ما قد ينتج عن رفض الطلاق كحل للخلافات الزوجية قد يسبب الضرر أكثر من المنفعة؟ لكن، ربما تعاطف القاضي مع المحامي جاء نسبة إلى الحديث النبوي الشريف “أبغض الحلال إلى الله الطلاق”.

من المفارقة أن تفاصيل الفتوى تعود إلى طعن أثاره محام بعدم قبول سماع شهادة سيدة غير محجبة، دفع القاضي إلى الاجتهاد ورفض شهادتها وبالتالي التأثير على نصاب الشهادة.

ومن المحيّر أيضاً في مثل هذا النوع من الفتاوى أو الاجتهادات أنها وليدة اللحظة. فهل سيتم تطبيقها مستقبلاً؟ وهل ستسقط الأهلية عن المرأة غير المحجبة؟ أم أن جميع النساء – غير المحجبات – اللاتي أدلين بشهادتهن من قبل لم يعدن أهلاً للشهادة بعد صدور القرار في الثالث من شباط (فبراير) 2014، والذي يحمل الرقم 348/2014- 91838.

يخالف مثل هذا القرار أحكام الدستور الأردني، في المادة (6) التي تنص على أن ” الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين”، ويخالف أيضاً المادة (7) التي تنص على أن “الحرية الشخصية مصونة”.

هناك أبواب أخرى كان بالإمكان طرقها لحل إشكالية الطلاق بين الزوجين، فهذه ليست القضية الأولى من قضايا الطلاق التي تعرض على محاكم الاستئناف الشرعية؛ دون التطرق إلى إصدار فتوى جديدة تنقض شهادة المرأة غير المحجبة وتنتهك حقوقها وكرامتها.

هل فشلت حكومة الببلاوي في إدارة مصر أمنيا؟

(AFP) رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي - أرشيف

(AFP) رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي – أرشيف

شاهد التسلسل الزمني لأبرز الأحداث في فترة حكومة الببلاوي

ثلاثة أعوام مرت على بدء الثورة المصرية، وما زالت مصر حتى الآن تمر في مخاض التغيير، الذي أطاح بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، وعزل الرئيس اللاحق محمد مرسي، وتشهد الساحة المصرية الآن فترة ترقب وانتظار يصاحبها أعمال شغب وعنف لمعرفة من سيترشح لمعركة الرئاسة القادمة.

تزامن تعيين حكومة حازم الببلاوي في مصر مع عزل الرئيس محمد مرسي، وأدت حكومة الببلاوي اليمين الدستوري في ١٦ من تموز ٢٠١٣، والمكونة من ٣٤ وزيرا، إلا أن الثمانية أشهر اللاحقة كانت هي الأصعب في تاريخ مصر وشهدت أعمال عنف أسفرت عن وقوع عدد كبير من الضحايا، تلاها قرار الببلاوي المفاجئ بتقديم استقالته وفك الحكومة في ٢٤ من شباط ٢٠١٤.

أعمال العنف تلك كانت شاهدا على أن مصر تفتقر لضبط أمني وضبط سياسي، ويقول خبير الشؤون السياسية والأمنية محمد المصري: “في مصر الأوضاع أكبر مما يتوقع البعض، والمخاطر كبيرة وحجم الإرهاب الموجه تجاه مصر وشعبها كبير، وحكومة الببلاوي جاءت في ظروف صعبة جدا، وبنفس الوقت كان هناك بعض الوزراء ممن يسمون في مصر بأصحاب الأيدي المرتعشة، والوضع الاقتصادي كان سيئا نوعا ما”.

ويضيف: “الإهارب كان عنيفا، وكل هذا أثر على حكومة الببلاوي، ولا يجب أن ننسى أنها كانت حكومة انتقالية، وبالرغم من ذلك فقد قامت هذه الحكومة بالدور المطلوب منها وأنجزت بعض المهمات وأخفقت في بعضها”.

وشهدت تلك الفترة عمليات تفجير وقتل للأمن المصري خاصة في منطقة سيناء، كما طالت عمليات القتل المواطنين في التظاهرات الاحتجاجية في مناسبات عدة وخاصة من أنصار مرسي، وقتل سياح أجانب لأول مرة منذ تنحي الرئيس مبارك في طابا، وعن التهديد الأمني الذي كان يواجه حكومة الببلاوي يتحدث المصري: “الإرهاب هو الإرهاب، أينما وجد وأينما حل ولكن حالة العنف الدائم والاضطرابات المناطقية التي شلت قطاعات مختلفة في مصر، لم تسطع حكومة الببلاوي أن تعالجها كالقضايا الداخلية، أما موضوع الإرهاب فهناك من يتكفل بذلك وهي المؤسسة العسكرية التي انحازت للشعب المصري”.

وفي ظل قدوم وتعيين الحكومة الجديدة بعد استقالة الببلاوي برئاسة ابراهيم محلب، تنتظر مصر تحسنا في الوضع الأمني، وعن علاقة ذلك وارتباطه بالوقت وخطط الحكومة الجديدة، يشير المصري إلى أن المؤسسة العسكرية لديها من الإمكانات ما يمكنها من مواجهة أي أعمال عنف أو إرهاب، ويكمل: “لا يجب أن ننسى بأن مصر تواجه إرهابا منظما من بعض الدول المحلية والإقليمية والدولية التي تسعى لإفشال التجربة المصرية في الانتقال إلى الديمقراطية”.

دوزان وأوتار رايحين عَ لاتڤيا

Image

دوزان وأوتار على مسرح بنك الاتحاد – عمّان

عمان – رزان الصالحي
لوحات موسيقية غاية في الروعة والجمال قدمتها جوقة دوزان وأوتار في يومها الثالث على أنغام الأغاني الشعبية التراثية إمتدت على مدار ساعتين وسط حضور غير مسبوق بقيادة المايسترو، ندي المنى، لدعم مشاركة الأردن في مسابقة الجوقات العالمية في لاتڤيا.

أغانٍ ومعزوفات تراثية بتوزيع حديث أدّتها مجموعة من الشبّان والشابّات بأصواتهم الشجية وألحانهم العذبة إضافةً إلى مشاهد تمثيلية تميزت بخفة الظل وملابسهم البسيطة التي جعلت من العرض لوحة فنية متكاملة.

“اخترنا اللون الأسود لتوجيه تركيز الحضور على الصوت والالحان، والحطّة الحمراء لتمثيل الأردن والدول العربية” يقول المنى. وتمثل جوقة دوزان وأوتار الأردن في مسابقة الجوقات العالمية والتي يشارك فيها أكثر من 480 جوقة تمثل 60 دولة من بينها الأردن والسعودية– الدول العربية الوحيدة المشاركة لهذا العام.

بدأت جوقة دوزان وأوتار التحضيرات والتدريبات مع بداية هذا العام تحضيراً للمسابقة التي ستقام في تموز المقبل. وقدمت الجوقة مؤلفة من 40 مؤديا (مغنيين وعازفين) أول عروضها لهذا العام في مطلع هذا الشهر.

وتداورت الأصوات السوبرانية لنعمت بطّاح وهند حامد ورانية زبانة على تقديم أغاني الأخوان رحباني واسمهان وأغاني التراث العراقي بتوزيع جديد يختلف عمّا عهدناه من قبل مع بعض التصرفات الموسيقية أو إضافة آلات لم تكن في تلك الحقبة الفنية، لتقديم الأعمال في قالب جديد لاقت استحساناً لدى الحضور، الذي ما إنفك يصفق ويهلل.

ثلاث ليالٍ موسيقية نقلت الحضور إلى عوالم تراثية قديمة عبرموسيقى حديثة تبعث التجديد في الأغاني الفلكلورية وتبقيها حية في الذاكرة. لاسيما أن أغلب الحضور كان من كبار السن الذين صفقوا لكل نبرة صوت معبرة أعادتهم إلى أجواء الأصالة.

وعبر الحضور عن سعادتهم بهذا الاستذكار الجميل للفنون التراثية. وتقول مها عدي “يا ريت كان في CD مسجّل عليه الأغاني اللي قدمتها الفرقة بالتوزيع الجديد ناخده معنا”. وتضيف أن الأغاني التراثية القديمة لم تعد مرغوبة عند الجيل الجديد لكن ما قدمته جوقة دوزان وأوتار من توزيع مختلف يحبب الشباب بالأغاني التراثية القديمة.

وعن الصعوبات التي قد تواجه الجوقة أثناء العروض المباشرة كونها باللغة العربية، قال المنى، “هدفنا الأساسي هو تعريف الدول المشاركة بالمسابقة على هذا النوع من الموسيقى الفلكلورية وإيصال فكرة تواجد الموسيقى الكورالية في الوطن العربي والتي نفتخر بها”.

ويذكر أن جوقة دوزان وأوتار تشكلت عام 2009، وتتمتع بتنوع كبير من الأغاني التي تقدمها. ويتراوح عدد أعضائها بين 40 و60 عضواً من جنسيات عربية وأجنبية من مختلف الأعمار والمهن والاهتمامات يجمعهم حب عميق للموسيقى والغناء.

ويعبّر فادي عوّاد، أحد أعضاء الفرقة، عن سعادته بالمشاركة ويقول “مشاركتي بجوقة دوزان وأوتار بدأت من عام ونصف العام تقريباً، استطعت من خلالها تنمية موهبتي في الغناء. لكن التوفيق بين عملي في مجال الإعلانات ومشاركتي في الجوقة كان الأصعب”.

أمّا أماندا متشتي فتقول، “جئت من أمريكا إلى الأردن لأجد ما أبحث عنه منذ مدة طويلة من خلال مشاركتي بجوقة دوزان وأوتار”. وأضافت أنها أحبت الجوقة كثيراً نظراً للتنوّع الذي تحتويه الجوقة من أعضاء وموسيقى وأدوات.