تظاهرة تطالب بالإصلاح في وسط العاصمة الأردنية – عمان – بعدسة عواد الجعفري
عواد الجعفري، رزان الصالحي، ربا زيدان
يتسابق المسؤولون الأردنيون إلى الحديث عن أهمية التنمية السياسية والإصلاح في المحافل العربية والدولية، ويشيرون إلى أن عملية التنمية السياسية أو ما يطلقون عليها “الإصلاح السياسي” تسير على قدم وساق في ما يتعلق بالحريات العامة أو القوانين الناظمة للحياة السياسية، إلا أن الوقائع والقوانين ومشاريع القوانين التي يرصدها هذا التحقيق لا تشير إلى ذلك.
تعريف التنمية لغة: من النمو أي ارتفاع الشيء عن موضعه إلى موضع آخر، فنقول نما المال أي ازداد، ويعرّف مركز دراسات الوحدة العربية التنمية السياسية على أنها: تطوير النظم السياسية والممارسة السياسية لتصبح أكثر ديمقراطية في التعامل وأكثر احتراما لكرامة الإنسان، هذا إلى جانب تمثيل الجماهير لقيم الديمقراطية وتحقيق المساواة السياسية بين أبناء المجتمع.
بينما يعدد الباحث الأميركي في التنمية السياسية صموئيل هنتجتون، ثلاثة مؤشرات على تحقيق التنمية السياسية، هي : أولا .ترشيد السلطة: أي أن تكون ممارستها وتداولها على أساس قانون أو دستور محدد. وثانيا: تخفيف تدخل أجهزة السلطة في حريات الأفراد، سواء عبر تدخلات أمنية أو فرض قوانين لصالح السلطة.
وثالثا: زيادة نسبة المشاركة السياسية من قبل المواطنين، عبر آليات المشاركة مثل التعبير عن الآراء وتشكيل الأحزاب والمشاركة في الانتخابات.
وتشير أوراق الملك عبد الله الثاني النقاشية حول الاصلاح إلى خلاصة معالم التنمية السياسية في البلاد، وهي تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وترسيخ ثقافة الديمقراطية في المجتمع، وذلك عبر تعزيز الانخراط في الحياة السياسية للأفراد، فهو حق أساسي لكل منهم، مع وجوب حماية حرية التعبير.
كما تشير الأوراق النقاشية إلى ضرورة الانتقال إلى الحكومة البرلمانية الفاعلة، بحيث نصل إلى مرحلة يشكل ائتلاف الغالبية في مجلس النواب الحكومة، وتبرز الحاجة إلى أحزاب فاعلة وتطوير الأعراف البرلمانية من خلال تطوير النظام الداخلي في مجلس النواب.
لكن ما يجري على أرض الواقع يختلف كثيرا عما أتى في حديث المسؤولين، فقد أقرت مجلس النواب قانوني ” مكافحة الإرهاب” و ” المطبوعات والنشر” ، حيث توسع قانون “الإرهاب” في تعريف الجرائم الإرهابية بما يشمل المعارضة السياسية، حسب خبراء، وأشار التقرير السنوي لمركز حماية وحرية الصحفيين لعام 2013، إلى تراجع الحريات الصحفية في البلاد عشر درجات عن العام الذي سبقه، ما أدى إلى احتلالها المركز الـ155 عالميا، وأوضح المركز في تقرير له بعنوان “العتمة الالكترونية” أن تعديلات قانون المطبوعات والنشر ساهمت في “خنق” الحريات الإعلامية وتراجعها، فضلا عن ازدياد التدخل الحكومي في عمل الصحفيين، واستمرت محكمة أمن الدولة في محاكمة 120 من ناشطي الحراك بتهم “الإرهاب” و”تقويض النظام”، رغم إيعاز الملك للمسؤولين بعدم عرض المدنيين أمام المحاكم العسكرية وأمن الدولة. ومثلت انتخابات الجامعة الأردنية انتهاكا آخر لحق الأفراد في ممارسة النشاط السياسي، حيث تعرض عدد من الطلبة للترهيب ومنعوا من الإدلاء بأصواتهم.
انتخابات الجامعة الأردنية
عشرات الطلبة يصطفون بجانب بعضهم البعض، يشكلون جدار بشريا أمام مدخل قاعة الانتخاب في كلية الأعمال. تتعالى أصوات الطلبة. يهتفون بصوت عال.
شاهدنا هؤلاء الطلبة المحسوبين على كتلة معينة أمام عدد من القاعات الانتخابية، وهم يحاولون منع الطبة من الدخول إلى القاعة للإدلاء بصوتهم. يسألونهم لمن ستصوتون.
تحدث بعض الاحتكاكات مع طلبة من اتجاهات أخرى، وصل بعضها حد إلقاء قنابل صوت وغاز وإشهار أسلحة بيضاء، وفي بعض الأحيان حدثت مشاحنات، في ما لم يحرّك عناصر الأمن أي ساكن.
هكذا بدت مشاهد من الانتخابات في الجامعة الأردنية، التي وصفتها إدارة الجامعة بـ ” عرس ديمقراطي”، وبدا هذا واضحا في حديث إذاعة الجامعة، التي كانت تغطيتها بالقول إن الأمور تسير بشكل سلس وهادئ، وهذا ما أثار سخرية جانب من الطلبة
القوى الطالبية عبرت عن أسفها في بيان نشرته صحيفة ” العرب اليوم” عن عجز الجامعة عن وقف تصرفات بعض طلبة المحسوبين على بعض القوائم. ويقول الإسلاميون إنها مدعومة من قبل الحكومة، وتركزت الاعتداءات صوب طلبة “الاتجاه الإسلامي” الذي يعتبر الذراع الطالبي لجماعة الإخوان المسلمين.
يثير هذا المشهد في انتخابات الجامعة الأردنية سؤال مركزيا حول حقيقة التنمية السياسية في البلاد، التي تعني تطور النظام السياسي ليصبح أكثر ديمقراطية، وزيادة المشاركة الشعبية في الحياة السياسية وصنع القرار، إذ بات صعبا على طالب جامعي أن يدلي بصوته ويقرر جزءا من حياته السياسية.
وتصدرت قائمة “الإسلامي” انتخابات الجامعة، حيث حصلت على 4 مقاعد من أصل9 ، فيما حصلت قائمة “النشامى” العشائرية الموالية للحكومة على ثلاثة مقاعد، بينما حصلت كتلة “العودة” التي تمثل المخيمات الفلسطينية في الأردن على مقعدين، بحسب اللجنة العليا للانتخابات في الجامعة. تحالف كتلتي “النشامى” و”العودة” أخرج الإسلاميين من دائرة صنع القرار في اللجنة التنفيذية للمجلس.
صدمة من الواقع
ويعرب الطالب في الاتجاه الإسلامي أسامة أبو عرقوب عن خيبة أمله في الانتخابات التي جرت بعد وعود الجامعة بـ” عرس ديمقراطي”. ويقول أبو عرقوب إن إدارة الجامعة أغرتنا بالمشاركة في الانتخابات في ظل وعود بعرس ديمقراطي، ووجود ضابطة عدلية وكاميرات مراقبة، لكن الأمور انقلبت يوم الانتخابات “.
يضيف أبو عرقوب طالب السنة الرابعة في كلية الأعمال:” صدمنا بالواقع، فقد عمت أعمال البلطجة الجامعة. أغلق أنصار كتل منافسة أبواب قاعات الاقتراع، وافتعلوا شجارات معنا ومع بعضهم البعض من أجل إرهاب الطلبة ومنعهم من التصويت، كما قاموا برمي قنابل صوتية تجاه أي تجمع من الطلبة يريد التصويت، ما أدى في النهاية إلى خفض إقبال الطلبة على التصويت بصورة كبيرة”.
وتابع:” عندما تحدثا مع أمن الجامعة، قالوا لنا إنه إذا كان لديكم أصوات سنسمح لهم بالدخول، وكأن القاعدة هي عدم قدرة الطالب على الإدلاء بصوته، في حين أن الشاذ هو تصويت الطالب دون ضغوط”.
ورأى أبو عرقوب أن هذه الأحداث التي وقعت كانت ممنهجة وليست عفوية، بل من تخطيط أمني خارج الجامعة، ذلك أن التحالف كان قد انفراط بين الإسلاميين والقوى العشائرية العام الماضي، متهما إدارة الجامعة بتجاهل الإسلاميين حتى عندما تولوا أمور مجلس الطلبة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وأنها تريد أي بديل عن الإسلاميين.
وتابع:” بعدما شاهدت ما جرى في الجامعة لا اعتقد بوجود تنمية سياسية في الأردن، فإذا كان الطالب غير قادر على الوصول إلى أدنى حقوقه، فكيف ستكون هناك تنمية سياسية؟”.
الانتخابات ديموقراطية والخروقات بسيطة
ورفض ممثل كتلة “النشامى” العشائرية، أمية العلوان، الحديث عن خروقات كبيرة في الانتخابات، قائلا:” إن ما جرى في الجامعة الأردنية هو انتخابات ديمقراطية وبأعلى درجات الشفافية، وكأي انتخابات تحدث خروقات ناتجة عن بعض تجمعات والاحتكاكات، لكن دون ذلك لم يحدث شيء خطير في الجامعة”.
وقال إن الإسلاميين يعترضون بشكل أساسي على علميات الاقتراع التي جرت في الكليات الإنسانية، لكن حتى في الكليات العلمية، التي تعتبر معقلا لهم خسروا فيها 7 مقاعد من أصل عشرة مقاعد تنافس عليها مرشحوه في كلية الطلب
ورأى أن هناك أسباب دفعت الاتجاه الإسلامي إلى خسارة الانتخابات، حيث أنهم لم يأتوا ببرامج انتخابية تخدم الطلبة، كما أن عدد من قادتهم تخرج أو على وشك التخرج فانشغلوا عن الانتخابات، مضيفا أن الاتجاه الإسلامي رغم تقديمه العديد من الخدمات الطلابية، إلا أنه حصر جزءا منهم للمقربين منه.
وذكر العلوان أن الإسلاميين الذين هيمنوا على مجلس الطلبة لمدة 3 أعوام لم يكونوا ليحققوا ذلك لولا تحالفهم مع إحدى العشائر في كل مرة، متسائلا:” هل التحالف لهم حلال وعلينا حرام؟”.
وأشار إلى أن الحديث عن تدخل أمني في انتخابات الجامعة الأردنية محض هراء، فهو مجرد شماعة لتعليق فشلهم عليها، أما إذا نجحت الأحزاب فترد ذلك إلى برامجها.
واوضح أن هذه الانتخابات ستصب في اتجاه التنمية السياسية في الأردن، التي تعتمد على قطاع الشباب، خاصة قطاع الطلبة فالجامعة الأردنية هي أم الجامعات الأردنية، وخرجت العديد من القيادات السياسية والحزبية.
وأشار إلى مجلس الطلبة سيسعى إلى تشكيل مكتب سياسي، يهدف إلى تطوير البرامج السياسية بجانب العمل الخدماتي اليومية لمصلحة طلبة الجامعة الإسلامية.
إدارة الجامعة ترفض التعليق
وقد حاولنا الاتصال بعدد من مسؤولي الجامعة الأردنية للحديث عن ظروف انتخابات الجامعة، لكنهم تذرعوا بضيق الوقت وألغوا العديد من المواعيد.
يرد وزير الشؤون السياسية والبرلمانية خالد الكلالدة في لقاءنا معه على الحديث عن الانتهاكات في انتخابات الجامعة الأردنية بأنها لا تعود إلى طرف واحد بل إلى عدة أطراف، مشيرا إلى أن :”هناك ذهنيات قديمة (أو عقليات قديمة) تخاف من انخراط الشباب في العمل السياسي .مثل هذه الذهنيات موجودة وقائمة وهذه الفئة من الناس ليس لديهم عندهم مبدأ التآمر بل هذا ما يؤمنون به (هيك عقليتهم) بحكم انه الشباب صغار على السياسة علماً بأنه الشباب بعمر 18 سنة يحق لهم الانتخاب”.
ويتابع:” هناك طلبة محسوبون على المكرمات وأنا ضد الاقتراب من طلاب المكرمات فلنبتعد عنهم وبلاش يشتغلوا في السياسة، فطالب المكرمة في النهاية ممكن أن يصبح ضابط وأنا لا أريد أن يتدخل الجيش بالسياسة، فنحن لسنا في أمريكا”.
ورأى أنه من الطبيعي أن يتعرض الطالب ذو الناشط السياسي إلى مضايقات، مضيفا:” صار لي 42 سنة في الحياة الحزبية، وتبهدلت في الحزبية مش زي تبعون الفيسبوك اللي بنادوا (بدنا تعملوا ديمقراطية) مع احترامي لهم لكن ليس منهم من عمل جاداً للوصول الى الديمقراطية الحقيقية”، مشيرا إلى عدم قدرة الحكومة على إيقاف الانتخابات إذا حدث شجار بين قائمتين طلابيتين، الأمر يحتاج إلى وعي وثقافة.
وجه آخر: معتقلو الحراك
يحاكم في الأردن حاليا 120 ناشطا سياسيا في محكمة أمن الدولة بتهم تتعلق بالإرهاب وتقويض النظام، وفقا لمحامين، وقال المحامي حكمت الرواشدة إنه يتولى الدفاع عن 96 ناشطا منهم، وذلك فقط لأنهم شاركوا في نشاطات سياسية، ما يضع علامة استفهام كبرى حول حقيقة تصريحات التنمية السياسية.
ويقول الناشط في الحراك طارق جميل إنه لا يثق بأي حديث عن تنمية سياسية في الأردن، مشيرا إلى أن الحراك الذي انطلق عام 2011 واستمر لغاية الآن، لم يكن ليستمر لو كانت التعديلات الدستورية حقيقية.
ويضيف الناشط الذي اعتقل لمدة خمسة أشهر العام الماضي، أن التصريحات الحكومية التي تصدر عن المسؤولين ليست سوى لامتصاص غضب الشارع أو “الضحك على الناس”
وأفرجت محكمة أمن الدولة الأردنية عن جميل بكفالة عدلية، ومازالت محاكمته مستمر لغاية الآن بسبب تهمة” التحريض عن النظام والإرهاب”، لكن جميل يرى أن السبب الرئيس لاعتقاله كان بسبب مشاركته في الحراك المطالب بالإصلاح، مشيرا إلى أن تعرض إلى مضايقات من قبل أجهزة الأمن لمنعه من السفر، وذلك عبر إجباره على إيجاد كفالة مالية مقدارها 3500 دينار.
ويرفض جميل الحديث عن أي تراجع في الحراك، بل إن الأمر هو إعادة “ترتيب أوراق”، مؤكدا أن الحراك سيتجدد في ذكرى هبة نيسان عام 1989.
ورأى جميل أن التعديلات الدستورية لم تكن حقيقية، مؤكدا أن محاكمة المدنيين أمام محكمة أمن الدولة هو أمر غير دستوري، مشيرا إلى أن استمرار محاكمات معتقلي الحراك من أجل إبقائهم تحت هاجم القلق المستمر.
ويطالب أفراد الحراك بتعديلات دستورية “حقيقية” كما يقولون، وتشمل: استعادة موارد الدولة ومحاسبة الفاسدين، وتفعيل المحكمة الدستورية، ووجود حكومة منتخبة.
الصورة ليست سلبية ونشطاء الحراك أساءوا للوطن
الرد على ناشطي الحراك جاء من مصدرين أجرينا معهما حوارات جادة. الاول وزير الشؤون السياسية والبرلمانية خالد الكلالدة، والكاتب رومان حداد الذي يصف نفسه بـ”الموالي للنظام”.
يرفض الكلالدة وجود محاكمات لناشطي الحراك في الأردن، قائلا:” إنه لن يتم مقاضاة أي حراكي أمام محاكم أمن الدولة من الآن وصاعدا، فقد تم تعديل هذه المادة القانونية، فضلا عن إيعاز الملك بعدم عرض المدنيين على المحاكم العسكرية وأمن الدولة”.
الكاتب في صحيفة الرأي رومان حداد يرى أن الامور ليست سيئة كما يصورها البعض، فهناك تقدم على صعيد تطور الحياة السياسية، أهمها أن الخلافات بقيت على الحبر ولم تتطور إلى الدماء كما في الدول العربية الأخرى.
ويؤكد حداد الذي يصف نفسه بـ”الموالي للنظام” أنه يجب محاكمة ناشطي الحراك، ذلك أن ما قاموا به ليس من باب السياسة والمعارضة، بل كانت أعمالا أساءت إلى الملك والوطن، داعيا في الوقت ذاته إلى عدم محاكمتهم امام محاكم مدنية.
وقال:” إن الهاشميين لم يصطدموا مع أبناء شعبهم، فثمة جينات هاشمية بعدم التصادم مع العشب مهما كانت الخلافات. وما يدور الأردن خلافات على الحبر وليس في الدم كما في الجوار”، مدللا على ذلك:” فحجم الانتقادات التي طالت الملك وعائلته في السنوات الثلاثة كانت تؤدي إلى مذابح في دول أخرى، لكنه ملك متسامح”، مؤكدا أن الحكم الأفضل للأردن هو الحكم الهاشميين، فهم تقدميون وإنسانيون
وأرى حداد أن تطور الحياة السياسة شمل إصلاحات دستورية، وإصرار الملك على إجراء انتخابات برلمانية وبلدية في عام واحد، ومناقشة مشاريع الخصخصة، ضمن لجنة النزاهة، وهذا الموقف تقدم فيه الملك كثيرا على المعارضة، التي لم تقرأ التقرير، وتأخذه إلى النائب العام للتحقيق فيه، وقال إن بعض التعديلات الدستورية بحاجة إلى آليات واضحة، مثل تزويد المحكمة الدستورية بأدوات المحكمة الحقيقية، لأن تركيبتها أقرب إلى السياسية.
وحول أداء مجلس النواب، قال حداد:” إن قراءة موضوعية لمجلس النواب السابع عشر يشير إلى أنه أكثر تقدما في مسألة مناقشة قضايا حساسة لم تكن تناقش في السابق، وطرح الثقة في الحكومة للأول مرة، وجعل الشارع الأردني يترقب أسبوعا كاملا في مداولات طرح الثقة في حكومة النسور.
وهاجم حداد المعارضة الاردنية، متهما إياها بأنها ” لا تؤمن بالإصلاح المتدرج من داخل النظام، لأنها تعتقد أنها عاجزة، وبالتالي تلجأ إلى الشعارات الكبيرة، مشيرا إلى أن المعارضة لم تقدم تصور جريء، لكن مقبول ومنطقي لحل الإشكاليات، فالجميع يتحدث عن مكافحة الفساد، لكن المعارضة تطالب بإدانة أشخاص بعينهم، حتى قبل أن يعرضوا على محكمة”.
وتابع:” في مناسبات كثيرة كان الحكم أكثر تقدما من المعارضة في مسألة النزاهة ومشاركة المرأة وتقبل الرأي الآخر، كما ان المعارضة تتبع طرق متخلفة وبالية في طرح الأفكار”.
واعتبر أن قانون المطبوعات والنشر ليس مقيدا للحريات، ليس مقيدا للحريات كما تقول المنظمات الحقوقية، بل إنه يطبق العهد الدولي لحقوق الإنسان، فالحرية يجب أن تكون مسؤولة، فالمواقع الالكترونية إن نشرت تعليقا لمتصفح بعدما شاهداها المحرر بالتالي يتحمل مسؤوليتها، ولدينا صحفيين يجب أن يتولوا رئاسة تحرير هذه المواقع.
إنجازات في القوانين
ويؤكد الكلالدة أن رأس الدولة يريد الإصلاح والبعض يثني على جهود الوزارة والبعض الآخر يعترض عليها وهذا مجتمع مختلف ومن طبقات متعددة، مشيرا إلى التعديلات الدستورية، التي تمنع الملك من حل مجلس النواب إلا بسبب، ومنع حله مرة ثانية لنفس السبب، إضافة إلى منع إصدار أي قوانين مؤقتة.
ورأى أن تعديل القوانين ولا سيما قانون الانتخاب يقع على عاتق مجلس النواب، الذي تنتهي ولايته عام 2017، وعندها فقط يمكن تعديل قانون الانتخاب، وهذا هو السبب لتأجيل هذا التعديل القانوني.
الحموري: التعديلات الدستورية شكلية و حديث التنمية السياسية عبثي
الفقيه الدستوري المستقل الدكتور محمد الحموري يجزم أن التعديلات الدستورية شكلية، موضحا لنا في مقابلة أجريناها معه في مكتبه:” أن ما جرى تعديله هو 78 فقرة في الدستور بين تعديل وإضافة، ونسبة عالية من التعديلات تشكل في صياغتها ومضمونها شذوذا في الفكر الدستوري، وبعض التعديلات هي تحصيل حاصل، فلم تضف جديدا، فعندما يتحدث الدستور عن الأخلاق فما قيمة هذه النصوص؟”.
ويضيف الحموري أن المادة 98 من الدستور لم تعدل، وتنص على أن الحكومة تعين أعضاء السلطة التشريعية في مجلس الأعيان، وهذا يمثل الثلث من السلطة التشريعية، ويستحيل إصدار أي قانون في الدولة دون موافقة هؤلاء المعينين بواسطة العقل الأمني، فعندما يتم تعيينك بإرادتي هل تستطيع أن تخالفني؟”.
وأشار إلى ان التعديلات الدستورية لم تعالج الأسباب الحقيقية التي يشكو منها الناس، وذلك بسبب فقدان استقلالية السلطتين التشريعية والقضائية.
وأوضح أن :”قانون الصوت الواحد الذي أقر في غياب مجلس النواب عام 1993، أدى إلى “نتائج كارثية في المجتمع، فقد فكك لحمة المجتمع، وأصبحت هناك جزر مجتمعية تتناحر فيما بينها على الصوت الواحد، حتى أن العشيرة الواحدة تمزقت وأصبحت تجمعات متناحرة، سواء بالنسبة للترشيح وجذب الأصوات”.
وأشار إلى ان الحديث عن تنمية سياسية في الأردن كلام عبثي، فالصلاحيات هي لمجلس الوزراء، ونقول إنه إرادة ملكية تقديرا للملك، لكنها إجراءات إدارية قابلة للطعن والإلغاء، لأن الإعلام الأمني طاغ”.
وتابع: المحكمة الدستورية ولدت ميتة، والسبب أن الذي يعين قضاتها هو الحكومة. القضاء الدستوري تمارسه المحاكم العادية، التي تنظر في القوانين وتحكم ببطلانه أو لا، أو محاكم دول التدرج الهرمي حسب التراتبية مثل والاستئناف و التمييز.
وأشار إلى أنه رفض فكرة إنشاء المحكمة الدستورية، ذلك أن:” هناك 900 قاض أردني مختص كل واحد يستطيع الحكم بعدم الدستورية، وحصرها في 9 يسهل الضغط عليهم”.
وأضاف أن :” التنمية السياسية تعني وجود نصوص دستورية متوازنة تحقق استقلال فعلي وحقيقي، لكل واحدة من السلطات الثلاث، وتمنع تغول الحكومة وأجهزتها الخفية للسيطرة على ما عداها، ويصاحب هذه النصوص المتوازنة قانون انتخاب يأخذ بيد الاحزاب للنمو وقانون أحزاب يأخذ بنص الدستور وروحه”.
وحول قانونية بقاء محكمة أمن الدولة، أوضح الفقيه الدستوري:” هذه المحكمة تعتبر غير قانونية إذ لا يعترف العالم بأحكامها، لكنها استمرت بسبب استقواء الحكومات وأجهزتها الخفية على ما عداها، فمحكمة أمن الدولة يعين قضاتها قائد الجيش ووزير الدفاع، ورئيس محكمة أمن الدولة هو النائب العام الذي يكتب ويوجه الاتهام وهو بنفس الوقت يعين القضاة.
وأشار إلى أن التعديلات الأخيرة، أبقت على عدد من الجرائم لتفصل فيها محكمة أمن الدولة، ومن هذه الجرائم “ما يستعصي على التحديد وضبط المدلول وتركتها لمحكمة أمن الدولة، رغم أن أحكام هذه المحكمة غير معترف فيها العالم”.
وختم الحموري حديثه :” كنت اعتقد أن موجة الربيع العربي التي اجتاحت الأردن في أوائل عام 2011، كانت بمثابة قرع الجرس للتنبيه على غياب حقيقي للحقوق والحريات وأن هناك انفراد في السلطة وأن هناك الكثير من المنتفعين، الذين ادخلوا الدولة على الأبواب الواسعة للفساد. وكان من المفروض أن نأخذ العبرة مما حدث في الربيع الأوروبي في القرن التاسع عشر، ونكون في الأردن رائدين بإصلاحات حقيقية وليست شكلية”.
محكمة أمن الدولة من أجل الناشطين السياسيين
لمزيد من الايضاحات توجه فريق التحقيق إلى رئيس الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان سليمان صويص، الذي قال لنا في لقاءنا به، إن الحديث عن التنمية السياسية ليس جديدا، بل يعود إلى العام 2003، لكن على الأرض الواقع لم يتحقق سوى القليل.
وحول محاكمة الناشطين في الحراك السياسي المطالب بالتغيير، قال صويص إن محكمة أمن الدولة وجدت من أجل ملاحقة الناشطين السياسيين، ورأى أن إصرار السلطة على هذه المحكمة غير مبرر، فيمكن محاكمة الناشطين السياسيين في محاكم مدنية، وبالتالي سيحظون بالبراءة.
وأكد أنه اجتمع وممثلين عن الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان مع لجنة الحريات في مجلس الأعيان ورئيس المجلس عبد الرؤوف الروابدة، مشيرا إلى عدم التجاوب مع مطالب اللجنة المتعلقة بإلغاء محكمة أمن الدولة وقانون منع الجرائم.
وأشار إلى أن تجاوب السلطة مع مطالب الحراك كانت محدودة للغاية، ذلك آن التجاوب مع مطالب التغيير كان يعني تغيير جوهري في مسألة تقاسم كعكة السلطة.
ورغم الحديث عن التعديلات الدستورية، التي تشير إلى نية السلطة تنفيذ الإصلاح السياسي، خصوصا فيما يتعلق بتعزيز التعددية السياسية وتحقيق التقدم الديمقراطي وصون حقوق المواطن، إلا أن الحقوقيين والمنظمات الدولية، وحتى القوانين ذاتها لا تشير إلى هذه النية، فقد تم إقرار قوانين تضيّق الخناق على الحريات وتتراجع عن وعود الإصلاح.
وقد أقر مجلس النواب في العامين الأخيرين تعديلات على قانون المطبوعات والنشر، وتعديلات على صلاحيات محكمة أمن الدولة، فيما يسعى البرلمان حاليا إلى إقرار تعديلات على قانون منع الإرهاب، فضلا عن الاستمرار بعمل قانوني الانتخاب والأحزاب السابقين.
ويرى حقوقيون أن المشكلة في هذه القوانين أنها فضفاضة، بحيث يتم تفسيرها لمصلحة السلطة، ولا تشكل داعما حقيقيا لعملية الإصلاح.
منظمة “هيون ريتس ووتش” الأميركية أصدرت تقريرا لها بداية هذا العام عن حالة الإصلاحات السياسية في الأردن. يقول التقرير إن المسؤولين الأردنيين يلاحقون أشخاصا بتهم فضفاضة الصياغة مثل تقويض النظام السياسي وتعكير العلاقات مع دولة أجنبية لخنق حريات التعبير، مشيرا إلى أن السلطة التشريعية في الأردن أخفقت في توفيق قانون العقوبات لعام 1960 مع الضمانات الدستورية لحرية التعبير.
وتابع التقرير:” من المخجل الزج بأشخاص في السجن لمجرد ترديد هتاف في مظاهرة أو التعبير عن رأي في أحد القادة”، فالضمانات الدستورية تصبح حبراً على ورق إذا لم تتخلص السلطات من المواد المقوضة لها في قانون العقوبات”.
وأضاف أن تعريف قانون العقوبات الفضفاض للإرهاب تشتمل على جرائم مبهمة الصياغة من قبيل تقويض نظام الحكم، فهناك عشرات الأشخاص يحاكمون في محكمة أمن الدولة بتهمة الارهاب، رغم أنهم كانوا يشاركون في انشطة سياسية.
وأرى أنه هناك تعديلات دستورية مثل تجريم التعذيب، و إنشاء المحكمة الدستورية، لكن هذه التعديلات لم تلحق بإجراءات مثل تعويض الشخص الذي تعرض للتعذيب، كما أنه تم تفريغ المحكمة الدستورية من مضمونها”.
الحلول
ويرى المعارضون والموالون على حد سواء أن هناك حاجة إلى تطوير أدوات التنمية السياسية في الأردن، وذلك عبر معالجة شجاعة للإشكاليات التي تعاني منها الحياة السياسية.
يقول سليمان صويص إن الحل لتحقيق التنمية السياسية في البلاد يتمثل في تغيير النظرة إلى الأحزاب التي هي شريك في بناء الوطن، فهي ليست متآمرة، وتغيير النظرة الأمنية في القوانين الناظمة للحريات والتجمعات العامة، وعندما توضع قوانين مشذبة لحماية الحريات بدلا من التضييق عليها، إضافة إلى الجانب الملقى على المواطنين في احترام المواطنة، وليس الولاء وفقا للعشائرية أو الجهوية.
فيما يرى رمان حداد أن ما حصل من إصلاحات هو إصلاح نصي في القوانين،” لكننا نحتاج إلى إصلاح حقيقي في المجتمع، حيث هناك حالة من العطالة في المجتمع، فهذا المجتمع يعاني انفصاما في الشخصية، وهذا يحتاج إلى جهد كبير في تقبل الآخر، والبدء بتطوير مناهج التعليم والممارسة السياسية في الجامعات”.
وأضاف أن الدولة يجب أن تتعامل مع الأسئلة الإشكالية بجراءة وصراحة، وعدم الهروب من الواقع، خاصة مع انعكاسات أي حل للقضية الفلسطينية على الأردن، وهذا يتطلب الحديث بصراحة عن معركة الكرامة وأيلول الأسود عام 1970.
أما الفقيه الدستوري الدكتور محمد الحموري فيعتقد أن إحداث تنمية سياسية حقيقية يتطلب وجود إرادة سياسية قانعة الإصلاح الحقيقي، ولا تخشى السير في طريقه، والاعتراف بأي خلل يحدث في تطبيق الإصلاحات، والمسارعة إلى تصويب الأمور، بما يعزز المشاركة السياسية، وهذا يتطلب تعديل قانون الصوت الواحد ومنح السلطتين التشريعية والقضائية الاستقلال التام.